الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر بحكم تخصصه في دراسة العقيدة والفلسفة يقدم لنا ثلاثة كتب غاية في الأهمية صادرة عن دار القدس العربي، يناقش الأول فكر الدكتور حسن حنفي مناقشة هادئة، وكذلك التيارات التي كان لها دور في تجديد الفكر الإسلامي، والكتاب الثاني ذو صلة وثقي بعلمين من أدق العلوم الإسلامية وهما علم الكلام وأصول الفقه، وذلك وفق مناهج الحكمة الاشعرية كما تمثلها مدرسة أهل السنة والجماعة، أما الكتاب الثالث فهو نظرات في فكر الإمام الأشعري ويكشف عن الجانب النقدي في فلسفة إمام أهل السنة والجماعة ويحدثنا في الفصل الأول عن بيان أصول العلم عند الإمام والفصل التالي للحديث عن علم الجدل. التراث والتجديد مناقشات وردود فهذا الكتاب يناقش مناقشة هادئة لفكر د.حسن حنفي ولمجمل المدارس التي أدلت بدلوها في مجال تجديد الفكر العربي والإسلامى، ويقول د أحمد الطيب شيخ الأزهر في المقدمة (يقتضينا واجب الإنصاف أن نقول :إن طائفة من كبار مفكرينا الأصلاء نظروا إلى التراث نظرة شديدة التوازن ونبهوا إلى أن إغفال تراثنا العقلي والنقلى في مشروع النهضة الحضارية هو بمثابة الانتحار أو الدمار الحضاري أو السقوط في هاوية لا قرار لها ،وأنه لا يتسنى لحضارة عربية حديثة أن تستوي على سوقها إلا إذا اعتمدت على تراثها فى عملية التحديث وذلك حتى تستبين شخصيتها وتتحدد لها ملامحها وقسماتها غير أن طائفة أخرى اشتطت فى دعوتها فأطلقت حق الاجتهاد لكل مفكر ومثقف حتى لو كان غير مؤهل وغير مستوف لشروط الاجتهاد وضوابطه ،ومنهم من حصر التراث أصولا وفروعا فى فترة تاريخية منتهية وهؤلاء هم أصحاب مذهب تاريخانية النص، ومنهم من أحال التراث برمته إلى أصول مادية ليسلك به درب المذاهب المادية التي تتوقف عند المحسوس، ولا تعترف بما وراء العالم المادي ،ومنهم من لجأ إلى تطبيق علم الهيرمينوطيقا في تفسير النص القرآني وتأويله ونادي بأن فهم النص غير ثابت وليس نهائيا ،وهذا الكتاب يجمع في منهجه بين مختلف هذه التوجهات فيه دعوى ومقدمات واستدلالات ،وفيه أيضا مناقشات واعتراضات وردود وتأكيد على أن عملية التجديد يجب أن تقوم على أساس استبقاء الأصول والثوابت ،وكل النصوص القطعية مع الاجتهاد المنضبط بالنقل والعقل في الفروع الظنية القابلة للتحرك لمواكبة ما يستجد من النوازل والقضايا حتى لا يجيء التجديد هدما وإبادة للمسلمات الأولى والثوابت القطعية للتراث وأصوله ومسخه وتشويهه ثم تقديمه بعد ذلك للمسلمين بحسبانه طوقا للنجاة لحياتهم المعاصرة. حديث في العلل والمقاصد هذا الكتاب ذو صلة وثقي بعلمين من أدق العلوم الإسلامية وهما علم الكلام وأصول الفقه وذلك وفق مناهج الحكمة الأشعرية كما تمثلها مدرسة أهل السنة والجماعة والهدف من هذا إبراز خطر مبدأ العلية كأصل يرتكز علية الدليل في أثبات وجود الله سبحانه وتعالى والأيمان به ووصولا إلى هذا الهدف، وقد ألقى د. أحمد الطيب الضوء على مشكلات فلسفية عدة مثل نظرية مبدأ العلية وأولويته وقبليته في العقل الإنساني وناقش المفكرين الرافضين لهذا المبدأ وبين العلاقة العضوية بين نفى العلية وفتح الباب لفلسفة الصدفة والإلحاد وخلص إلى ضرورة الاعتقاد بالعلية كمرتكز أساسي فى التفكير البشرى والعقل الإنساني حتى يمكن للذهن أن ينتقل من صحة الدليل إلى صحة المدلول، كما تحدث د.احمد الطيب عن أفعال الله تعالى وأحكامه وهل هي معللة بالأغراض أو منزهة عنها، وهل توجد علاقة اتساق منطقي بين القول بنفي التعليل في أحكام الله تعالى وبين القول بمقاصد الشريعة مسقطا كل ذلك على مدى إمكان تحديد المذهب الكلامي للأمام أبى إسحاق الشاطبى في قضية التعليل، واكتشاف عناصر الاتساق بين الشاطبى الأشعري والشاطبى المقاصدى.
نظرات في فكر الأمام الأشعري ويكشف هذا الكتاب عن الجانب النقدي في فلسفة الأمام أبى الحسن الأشعرى أمام أهل السنة والجماعة ويحدثنا في الفصل الأول عن بيان أصول العلم عند الأمام والفصل التالي للحديث عن علم الجدل ،ومن هنا كان رد الأمام على أعتى التيارات العقلية والفلسفية في عصره متمثلة في مدرسة أهل الاعتزال بفروعها المتعددة وأسس بذلك نظريته في الأسماء والصفات التي تعتمد على القران الكريم والسنة النبوية الشريفة وتتوقف عند حدود ما ورد في الشرع كما صاغ الأمام الأشعرى نظرية جديدة فى الجدل تعتمد أيضا على القرآن الكريم فى لحمتها وسداها ،وقدمها بحسبانها منهجا ينتهي إلى تحصيل اليقين العقلي فى مقابل (الجدل الأوسطى) الذي ينتهي في أفضل حالاته إلى تحصيل الظن . ولعل ما يجمع بين هاتين النظريتين هو أنهما يتداخلان جزئيا بين النظر الذي هو أحد العلوم في مبحث العلم والذي هو (أول الواجبات وأصل العبادات ) لأنه الطريق المؤدى لمعرفة الله تعالى ،وبين النظر الذي يرادف الجدل وهو النظر بإطلاق والنظر فى هذا الباب قد يكون واجبا إذا كان الغرض منه تبيين الحق والرد على أهل الإلحاد والطاعنين في الإسلام كما يكون ممنوعا إذا كان الهدف منه المغالبة ونصرة الباطل.