ربما لو كانت سلالم كلية الإعلام أربعين طابقا أو أكثر, كنت صعدتها مثل الفراشة, ونزلت عليها مثل الفريرة, أكثر من مرة, في اليوم الدراسي الواحد ولكنها, كانت فقط تنتهي عند الطابق الرابع, حيث المقر الذي احتوانا, علي صدر كلية الإعلام, في ضيافة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.. لست أدري, لماذا كنت أكلف نفسي هواية الصعود والنزول, كأنني مكلف بمهمات حراسة, أو كأنني أبحث عن شيء مفقود, أو ربما حالة من انتشاء الصدر وامتلائه بالطموح الفائر والأمل الثائر, لم أكن أتعب, أو بالأدق, لم أكن أشعر بالتعب, فاستزيد من الحركة بهدف وبدون هدف. صعدت السلم, أقرأ لافتة علي باب مدرج واحد, وهو المدرج الوحيد في الكلية, مناقشة رسالة دكتوراه مقدمة من الطالب عمرو عبدالسميع, الي قسم الصحافة, وموضوعها الكاريكاتير السياسي في الصحافة المصرية. انتظرت, حتي جاء موعد المناقشة, وشهدت لحظة ميلاد الأكاديمي الفنان عمرو عبدالسميع, تباري العظيمان أحمد بهاء الدين وخليل صابات في امتداح مناقب وشمائل عمرو عبدالسميع طالبا, وصحفيا, ورساما ومخرجا وأديبا.. كنت أسمع عن أمجاد عمرو عبدالسميع في الصحافة العربية, ولكن لم أكن رأيته, ولم أكن أعرف أنه مولود في مهد من مهاد الصحافة المصرية, ولم أكن أعرف أن منشأه الاجتماعي كفل له أن يولد في قلب السياسة المصرية, وأن يري الدنيا زاحفا يلهو فوق بلاط صاحبة الجلالة, ويبصر النور علي مشهد العراك بين حرية الصحافة وأقدار السياسة, فهذا هو عمرو يكتب رسالة الدكتوراه عن والده, ويتحدث وهو في محراب الجامعة مرتديا الروب عن أبيه بضمير الغائب, يقول: عبدالسميع, ولا يقول أبي, ولا يقول الأستاذ, فأبوه موضوع للبحث, ومادة للدراسة, ومجال للبحث العلمي الصارم. دوت القاعة بالتصفيق, عمرو عبدالسميع, أصبح من هذه اللحظة الدكتور عمرو عبدالسميع... أيام قليلة, وعلقوا جدولا للمحاضرات وقاعات البحث, وتقرر أن يتولي المعلم الجديد, التدريس لطلاب السنة الثانية.. انتظرناه, قالوا الرجل صحفي كبير, عنده مشغوليات أكبر, وطال الانتظار, فقالوا اعتذر.. لست أشارك عمرا في أبيه, ولكن أشاركه الاحتفاء به, في مقالته عنه في روزاليوسف اليومية, يوم أمس... عمرو أستاذ قدير, في الفكر والممارسة, صحفي مثقف, وأكاديمي فنان, وموهبة غنية حتي الامتلاء, وعطاء لا يبخل به صاحبه عن كل قادم جديد علي بلاط صاحبة الجلالة. عمرو, معلم, ابن معلم, وهذا يكفيه, ولست من الحاسدين.