اليوم, بل الآن, هو وقت وتطوير الصحافة القوميةالمصرية,لابد من مراجعة أوضاعها فورا وبحث واستشراف مستقبلها, بالتزامن مع الإعداد للمجالس والهيئات الجديدة التي ستتولي مسئولية الإشراف عليها وفقا للدستور الجديد. والمعروف أن دستور2014 نص في الفصل السادس, مادة211 علي تشكيل المجلس الأعلي لتنطيم الإعلام,وعلي أن يكون هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاسقلال الفني والمالي والإداري, وموازنتها مستقلة. ومن المنصوص عليه أن يختص هذا المجلس بتنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئي, وتنظيم الصحافة والإعلام,والرقمية, وغيرها, ويكون مسئولا عن ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام المقررة بالدسور, والحفاظ علي استقلالها وحيادها وتعدديتها وتنوعها, ومنع الممارسات الاحتكارية, ومراقبة سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحفية والإعلامية, ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها, ومقتضيات الأمن القومي علي الوجه المبيت في القانون. وفي المادة212, نص الدستور أيضا علي تشكيل الهيئة الوطنية للصحافة, بحيث تكون هيئة مستقلة,تقوم علي ادارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتطويرها, وتنمية أصولها, وضمان تحديثها واستقلالها, وحيادها, والتزامها بأداء مهني, وإدارة, واقتصادي رشيد. وقبل تشكيل المجلس والهيئة, لابد من وقفة شاملة وحاسمة تقيم تجربة الصحف القومية المصرية كلها, وتحدد سلبياتها وإيجابياتها, ثم تبدأ خطوات بناء مستقبلها الذي من المفترض أن يعالج السلبيات, ويعمد علي عدم تكرارها, بالإضافة لتعظيم الإيجابيات, والعمل علي زيادتها. فبعد34 عاما من التبعية غير المبررة وغير المقبولة لمجلس الشوري, فتحت ثورة30 يونيو2013 المجيدة الباب أمام الصحافة القومية المصرية للتخلص من سيطرة مجلس لم يكن طوال تاريخه منذ عقد أولي جلساته في أول نوفمبر1980 سوي ديكور في الحياة السياسية المصرية, وقيل إن حل مشكلة ملكية الصحف القومية كان أحد الأسباب الرئيسية لإنشائه. والحق أن مشكلة الصحف القومية المصرية تعود إلي زمن أبعد من ذلك, وتحديدا منذ تأميم الصحف عام1960 وفقا للقانون الذي عرف في ذلك الوقت بقانون تنظيم الصحافة ومن الملاحظ أن تأميم الصحافة كان سابقا وتمهيدا للتأميم الشامل الذي طال جميع الشركات والمصانع الكبري في العام التالي(1961) وفقا لما عرف بقرارات يوليو الاشتراكية, وتماشيا مع توجه النظام السياسي في ذلك الوقت نحو الاقتصاد الاشتراكي وملكية الدولة الوسائل الإنتاج. أما الصحف التي تم تأميمها فقد آلت ملكيتها إلي ماكان يعرف بالتحاد القومي( التنظيم السياسي لنظام ثورة يوليو1952) ثم الاتحاد الاشتراكي العربي, التنظيم البديل بعد ذلك.,.ولما كان رئيس الجمهورية هو رئيس الاتحاد الاشتراكي, فقد كانت قرارات تعيين رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف تصدر عن الرئيس جمال عبد الناصر ثم الرئيس أنور السادات بعد ذلك, بوصف كل منهما رئيسا للاتحاد الاشتراكي, مالك هذه الصحف. وقد ظلت هذه الصيغة لملكية المؤسسات الصحفية المصرية قائمة إلي أن تم إلغاء الاتحاد الاشتراكي في أواخر عهد الرئيس السادات وعودة الحياة الحزبية مرة أخري بعد التعديلات التي جرت عام1980 علي دستور1971 الدائم, حيث تم النص علي أن النظام السياسي في مصر يقوم علي تعدد الأحزاب. وبإلغاء الاتحاد الاشتراكي, واجه النظام السياسي مشكلة البحث عن بديل لمالك الصحف, وكان الحل الذي توصل إليه الرئيس السادات هو إقامة مجلس الشوري كغرفة ثانية للبرلمان علي غرار مجلس الشيوخ قبل ثورة يوليو1952 ليكون مالكا للصحف, أو علي نحو أدق يمارس حقوق الملكية نيابة عن الدولة. ومن اللافت أن مجلس الشوري, رغم اعتباره مجلسا تشريعيا واحد مجلس البرلمان إلي جانب مجلس الشعب, إلا أنه لم تكن له أي صلاحيات تشريعية أو رقابية باستثناء عرض القوانين المكملة للدستور عليه قبل إقرارها من مجلس الشعب, وهو مايؤكد أن هذا المجلس, الذي أسماه السادات بيت العائلة المصرية,الذي يوصف بأنه مجلس الحكماء لم يكن سوي اختراع ساداتي لحل مشكلة ملكية المؤسسات الصحفية. وأثبتت التجربة أن الاختراع لم يحل شيئا, بل تسبب في المزيد من المشكلات والأزمات, ودأب إلي جانب إرسال برقيات التهاني والتأييد للقيادة السياسية علي اختيار أتباع السلطة وأهل الثقة دونا عن أهل الخبرة لمناصب رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية, بدءا من عصر السادات حتي عهد الإخوان البائد, مرورا بعصر مبارك.