لم تكن حداثة سنه وراء اندفاعه وقتل جدته لأمه بطعنها حتي الموت, ولكن أحلامه التي فاقت قدرات خياله هي التي صورت له أنه يستطيع تحقيق المستحيل عندما يرتكب هذه الجريمة. فقد نفث الشيطان سمومه داخل كريم وأوهمه أن جدته تدخر مبالغ مالية طائلة بخلت بها علي نفسها وأولادها لتكون في النهاية من نصيبه هو, إلا أن الأقدار لاتسير دائما وفق مايجري في خيال المجرم, فقد كان مصيره الحبس الاحتياطي في انتظار كلمة الفصل في ساحة العدالة. التقينا كريم الذي جلس في هدوء يحاول إخفاء الندم علي معالم وجهه وبدأ متحفظا في الحديث عن جريمته إلا بعد أن هدأنا من روعه فبدأ متحفزا للحديث بقوله: لست مجرما وما فعلته هو نتيجة للظروف القاسية التي كنت دائما ما ألعنها من صميم قلبي. كنا كأي أسرة مصرية بسيطة تعيش حياة سعيدة في حدائق المعادي حيث شقة والدي الذي كان يعمل سائقا بشركة بترول وكان دخله يوفر لنا حياة كريمة إلي أن عرفت المشاكل طريقها بين والدي ووالدتي ليقوم بتطليقها منذ9 سنوات ويتركنا أنا وشقيقتي الكبري مني شذي(24 سنة) وشقيقي خالد(21 سنة) دون أي مسكن ومأوي حيث لم يعط لأمي أيا من حقوقها الزوجية وذهب ليتزوج من أخري. فانتقلنا أنا ووالدتي وشقيقاي لمسكن جدتي لأمي زينب بمنطقة دار السلام حيث كانت لأمي شقة ورثتها في العقار المكون من أربعة طوابق, سكنا بالطابق الأول بينما كانت تسكن خالتي وزوجها وأولادها بالطابق الثاني وجدتي بمفردها بالطابق الثالث وقضينا ليالي في الشقة لن أنساها في حياتي وحيث لم يكن معنا المال لتوضيبها وشراء مستلزماتها فنمنا ليال علي البلاط وهنا اضطرت والدتي التي كتب عليها ألا تجني من حياتها سوي أليم الذكريات أن تعمل كوافيرة بأحد الصالونات كي توفر لقمة عيش لنا ولشقيقي. ورغم أن جدتي زينب كانت تحصل علي دخل لايقل عن4 آلاف جنيه شهريا كحصيلة معاشها لجدي المتوفي وإيجارها للطابقين الأرضي والرابع بالعقار الذي كنا نقطنه إلا أنها كانت تضن علينا بأي أموال, في الوقت الذي كنت أكمل فيه دراستي وأحاول جاهدا إنهاءها لمشاركة أمي في الأعباء التي كانت تثقل كاهلها, ولم يفكر والدي في ارسال أي معونات لنا وغرق في نعيم الدنيا مع زوجته الأخري. وأضاف كريم وهو يحاول حبس دموعه فكرت أمي في الزواج من شخص غير والدي كي يساندها علي أعباء الحياة إلا أن هذه الزيجة من المدرس لم تستمر طويلا بعد أن رأت أمي في أعيننا علامات الضيق والضجر من أن يمسها شخص آخر غير والدي فضلا عن إهانته المتكررة لها أمامنا أثناء وجودنا معه بشقته بالشيخ زايد, فانفصلت والدتي عن المدرس حرصا علينا وعدنا لمنزلنا بدار السلام. وقال كريم وهو يكبت نزوعا نحو البكاء بعد أن حصلت علي دبلوم السياحة والفنادق اقترح علي شقيقي خالد السفر معه لشرم الشيخ حيث الرزق الوفير وهناك تعلمت اللغة الروسية كي أخاطب بها السياح وعملت في أحد البازارات بهمة لاتعوف الوهن محاولا ابتلاع المتاعب والآلالم التي تركنا فيها والدي. ومع بلوغ اليوم الأول من كل شهر كنت أرسل ألف جنيه وهي نصف مرتبي لوالدتي كي تساعدها علي مواجهة أعباء الحياة. وظللت في شرم الشيخ لمدة ستة أشهر في الوقت الذي تزوجت في تلك الفترة شقيقتي شذي واضطررت للعودة للقاهرة مرة أخري بعد أن حدثت خلافات مع مديرنا وصاحب العمل, فقررت العودة للمنزل لحين تدبير فرصة عمل أخري. في منزل دار السلام بدأت الخلافات تدب من جديد بيننا وبين جدتنا التي كانت تكرهنا لا أعرف لماذا وتفضل علينا أبناء خالتي الاخرين وتغدق عليهم بالنقود والأموال بينما كانت تكيل لي وشقيقي السباب واللعان في كل مرة ترانا فيها. وأضاف كريم وعيناه مغرورقتان بالدمع وأجهش بالبكاء: بدأ الجو البيت يتنفس بالحقد بيننا وبين جدتنا عندما عادت من منطقة أطفيح بالجيزة حيث تراقب أعمال البناء بأحد المنازل ملكها واكتشفت اختفاء أنبوبة بالطابق الرابع بالعقار ورغم عدم تأكدها وجهلها بالسارق إلا أنها سرعان ما اتهمتني بسرقتها متعللة بأنني بعتها كي أشتري بها مخدرات. وقبل أن أبادره بسؤاله عن الإدمان قال لي: أعترف بأنني أتعاطي المخدرات ولكن ليس بشكل يومي لكنني بعد أن عدت للمنزل وجدت الفراغ يملأ حياتي بدأت في التعاطي مع بعض أصدقاء المنطقة لكن هذا لم يدفعني أبدا لسرقة أي من محتويات المنزل التي كدت أمي وتعبت في عملها بمحل الكوافير الذي اشترته حتي أقامته لنا وكان دائما يجول بخاطري سؤال: ماذا تفعل جدتي بكل هذه النقود التي تدخرها ولمن ومن سيكون صاحب الحظ الذي سيفوز بها؟! كنت دائما أمضع إهانة جدتي لي في صمت عندما أصعد أو أخرج إلي المنزل حيث كانت تصفني بالحرامي والفاشل في كل مرة تراني فيها وهي جالسة أمام شقتها بالطابق الثالث. وأضاف كريم وهو يتفحم من البكاء استيقظت يوم الجريمة من النوم برأس مثقل وجسد متعب وكنت بمفردي بالشقة بينما كانت والدتي وشقيقتي بمحل الكوافير ولم أجد في جيبي أي جنيه أستطيع شراء المخدرات وخجلت أن أطلب من أمي نقودا. وهنا وسوس الشيطان بداخلي بالتخلص من جدتي التي تكنز الأموال بصدرها فأخذت سكينا وصعدت بها لشقتها بالطابق الثالث وكانت تترك باب شقتها دائما مواربا, فدخلت الصالة ولم أرها الا شبحا أمامي لأن الكهرباء كانت مقطوعة عن العقار فطعنتها بكل ما يعتلج في صدري من ضيق وحقد وألم فأخذت تصرخ وتنادي علي خالتي أحلام كي تنقذها من الشخص الذي داهمامها بطعنات في صدرها وعندما شاهدت الدم وهو ينفجر كنافورة المياه من جسد جدتي ركبني الخوف والفزع لمشاهدتي منظر الدماء من جسد إنسان لأول ومرة في حياتي. فتركت السكين وهرعت خارج الشقة وقدماي ويداي ملطخة بدماء جدتي ثم نزلت للتخفي بشقتنا إلي أن سمعت صرخات خالتي وهي تستنجد بنا لمساعدتها فخرجت لاستكشاف الأمر وكأنني لست القاتل ثم حضرت والدتي وشقيقتي وتجمع الجيران الذين نقلوا جدتي لمستشفي قصر العيني لاسعافها وهي ترتعد من الخوف حتي شاهدني المقدم رئيس مباحث دار السلام وأخبرته بالجريمة. وينهي كريم حديثخ والندم يتجلي في عينيه بأنني نادم أشد الندم علي مافعلته ليس حبا في جدتي ولكن لضياع مستقبلي بعد أن وجدت صنعة كانت تدبر لي مبلغ ألفي جنيه في الشهر كل ذلك ضاع وأنا في انتظار كلمة القضاء الذي أتمني أن ينصفني لأنني تعرضت لأشد أنواع الظلم من والدي وجدتي وحياتي فكانت تلك نهايتي. وكان اللواء مساعد أول الوزير لأمن القاهرة قد تلقي اخطارا من اللواء مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة بالعثور علي جثة العجوز زينب محمود(74 سنة) مصابة بطعنات متفرقة بالظهر والصدر داخل شقتها بالطابق الثالث بأحد العقارات بمنطقة دار السلام. وبتشكيل اللواءين نائب المدير العام ومدير ادارة البحث الجنائي لفريق بحث من ضباط قطاع الغرب للتوصل للجاني دلت التحريات التي أشرف عليها العميد مفتش فرقة الجنوب أن قاتلها رهو حفيدها كريم محمد عبد الوهاب(19 سنة).