الكتاب: إىموز المؤلف: إسلام مصباح الناشر: دار عرب للنشر والتوزىع في مجابهاته المتأزمة ضد سلطة النمط يسترشد بطل (إيموز) بإلهامات اللايقين الوامضة في الخفاء المنتهك وفقا لوصايا (إيمي) الملاك المفخخ القادم من العدم لتفكيك المعرفة الأزلية لآلهة التاريخ.. شيطان الوصفات الهادمة والداعية للانفلات غير المألوف من وحشية القمع الجسدي وسطوة التضليل الديني وعلي مراوغة الاذعان للحياة والموت بالشروط التي تنتجها المصالح السياسية وتعيد تكييفها مع تحولات الشهوة.. الملل وقود الثورة التي سيتم ارتكابها انطلاقا من الخراب المفاهيمي بتشكيلات أنقاضه الاستلابية التي يشيد تبعثرها مشهدا كليا للحصار يتحرك داخله البطل من جريمة لأخري حيث التليفزيون وكرة القدم والأصدقاء والأب والمترو والشوارع والسماء قفازات ضامنة لتحاشي ترك بصمة.. الاتصال بعالم (إيمي) كان تسللا منهكا مشوش الحسابات للراوي من برمجة الواقع عبر أنفاق النسق المعيشي نحو انعزال غامض عن العالم يوظف الالتباس في تكوين إيحاءات مرتبكة واعدة وافتراضات تبشر بخلاص لا يتخلي عن استسلامه لهيمنة اليأس. "أنت تجلس طوال الليل لتفكر كيف يمكن قتل (أدهم صبري)؟. كيف يحصل (جيمس بوند) علي كل هذه النساء؟. أين يخفي (سوبر مان) ملابسه؟ ولماذا لا يعلن (بيتر باركر) أو الرجل العنكبوت عن شخصيته؟ وكيف يمكن هزيمة شبكة (سكاي نت)؟ وهل إذا وجدت (الماتركس) فعلا؛ كيف يمكن الهرب من سيطرتها.. ثم تسأل نفسك السؤال الكبير الذي لم تجد له إجابة: (أين تقع المنطقة 51؟)". كإجراء متوقع يلازم صراعات الكبت والتهميش ومقاومة طغيان العجز الوجودي يتورط الراوي بانغماس منهك وترقب استفهامي في الأرق بالأساطير الإعجازية للشخصيات الخارقة المستقرة في الخيال المستحيل.. هذا الاستغراق لم يقتصر عند حد الشبق النفسي لحيازة مواصفات النموذج المتجاوز القاهر للطبيعة بل تعداه نحو الاحتفاء بالرغبة الانتقامية في تدميره باعتباره أي النموذج في كافة إحالاته وتجلياته حاميا لبلادة اليومي وابتذاله ومكرسا لفجاجة التمنع الكوني وفداحة خطاياه الحصينة تجاه الأرواح المحتجزة في متاهاتها القدرية الشائكة. "تسحب عددا من أعداد رجل المستحيل من الرزمة الضخمة التي وضعتها بجانبك تحسبا لهجمات الملل ، تفتحها وتغلقها ، تقرأ سطرين ثم ترميها ، تشغل أغنية ثم تطفئها ، تشغل فيلما ثم يرهقك الملل ، تقف.. تجلس.. تفتح رجل المستحيل مرة أخري.. تدخن سيجارتك وتفكر: اللعنة عليه.. كيف يمكن قتله؟". هوس الاستدعاءات والذي بدا هماً منفصلا لا يتبع الحاجة الروائية لم يمارس تأثيرا علي التيمة الرصينة للسرد حيث حافظ"إسلام مصباح"علي التدفق التراكمي الكلاسيكي في تصاعده المنظم دون انشغال بالحيل والألعاب الحداثية للحكي.. الإقحامات المعلوماتية التي لم تهدأ طوال الرواية لتفاصيل غير خادمة جعلت من هوامش الاقتباس متنا إضافيا ثقيلا أو بالأحري قاموسا مستقلا يصلح لاستخدامات بحثية أو حتي روائية أخري بشرط أن تتطلبه فعلا. تعاليم"إيمي"المتبرئة من الخضوع أو قوانين التمرد الكابوسية التي ستحاول أن تعيد بواسطتها تشكيل هوية الراوي ستمثل العنصر الأبرز للخطاب المفتوح علي تحريض أوسع:"إيمي"تريدك أن تحرق حياتك التقليدية الهامدة والمهينة وعليك أن ترصد وتراقب وتحكم علي استجابة الراوي لها بمعايير استجابتك الشخصية ليس كقاريء بل كبطل مواز عالق في نفس الشروط القاتلة. "إيمي تقول إن كل شخص في العالم بحاجة للتطهير وأنت بحاجة للتطهير أيضا ، التطهير معناه أن تملك كل شيء أو تفقد كل شيء ، ساعة في اليوم لمشاهدة البرامج الدينية لن تمنحك الجنة حتما وساعة أخري في ممارسة الرياضة لن تمنحك قواما مميزا ، لكي تحصل علي كل المتع الموجودة في هذا العالم لابد أن تصل إلي الحضيض ، الوصول إلي الحضيض ليس شرا دائما ، ربما هو قمة الشجاعة ، وربما مغامرة لم تعرفها من قبل". كأننا نشهد استحضارا لأخلاقيات (نادي القتال) وتشريحا جديدا ل (تايلر دردن) في نزوعه التخريبي كما قدمه (تشاك بولانيك) وكما أعاد تقديمه في السياق المصري (أحمد العايدي) في (أن تكون عباس العبد). "إيمي تقول إن الشخص العادي هو ضحية مؤامرة كبري تحاك حوله منذ آلاف السنين ، مهمة أي اختراع حديث هو أن يضاف إلي قائمة المرعبين الذين يكبتون رغباتك ويجعلونك تعيش في عالم سفلي مكون من أوهامك الخاصة ، منذ فجر التاريخ وقد وجد بعض السادة أن الانسان العادي هو حيوان لا يمكن السيطرة عليه ، لذا ولكي تستعظم سيطرتهم علي العالم حاولوا قدر الامكان كبت الحيوان البري داخلك ، اخترعوا الدين والاعراف والعادات والتقاليد ، ثم اخترعوا الشرطة والجيش والتنظيم الاداري ، ثم اخترعوا الأوبئة والأسلحة وصولا إلي القنابل النووية ، كل إنسان يختلف في قائمة مرعبيه عن أي انسان آخر ، لذا وجد الدين ليكون المرعب الأول لهذا الشخص ، ووجدت الشرطة لتكون المرعب الأول لذاك ، وجدت الأساطير والعفاريت وسكان الفضاء.. يجلس أرسطو وأفلاطون وجهاز المخابرات الامريكية وكل مفكر ورئيس دولة ورجل أمن ليحاولوا كبت الحيوان بداخلك.. بينما أفضل ما فيك هو ذلك الحيوان البري". علي عكس ما قد يبدو أن عنوان الرواية يؤكده فإن"إسلام مصباح"لم يتبن فكرة تنفيذ شريط وثائقي من الإدانة أو الشغف كما أنه لم يهدر طاقته في محاولة كسب الحياد أو في اعتماد منهج دفاعي مضاد للصورة الإعلامية المروجة بالاتساق مع هذيان التطرف المجتمعي تجاه (الإيموز) كجماعات مرتبطة بالمخدرات والجنس والشذوذ والالحاد وعبادة الشيطان وما شابه لكنه قدم سيرة مباشرة وواضحة المعالم لفظاعة الخواء وعمق الانفصال عن الحكمة بكل زيفها المقدس.. تحليل مكونات السموم في الذاكرة وحفر تحت أصنام القيم واستعراض التمزق بفعل الاغتيال المراوغ الأمر الذي جعلني انتبه إلي ذلك التقارب الملفت بين الرواية ولوحات (فريدا كاهلو) والذي سيصل درجته القصوي في لوحة (the little deer 1946): أليس الحيوان البري الذي بداخل كل واحد والذي قالت"إيمي"أن مؤامرة تحاك منذ آلاف السنين للسيطرة عليه هو نفسه الأيل الذي يحاول الهرب في الغابة بينما الدماء تسيل من جسده بفعل السهام المرشوقة من كل اتجاه والذي أعطته (فريدا) وجهها في لوحتها الشهيرة؟.