العقوبات التي تم فرضها علي إيران مؤخرا أزاحت الستار عن العديد من علامات الاستفهام سواء فيما يتعلق بالضغط علي إيران لوقف برنامجها النووي أو جدوي تشديد الحصار علي إيران أو التوصل إلي الصيغة التي يمكن أن تندرج تحتها وهل يعد ذلك لعبة سياسية أم اقتصادية وماذا سيترتب علي تلك العقوبات وهل هي كافية أم أنها تمهيد مدروس أو غير مدروس لدفعات أخري من العقوبات؟! وكل تلك التساؤلات لا تبتعد كثيرا عن أن إيران وبتلك العقوبات تضع نفسها وبقوة أمام مرمي النيران الإسرائيلية. الأهرام المسائي يفتح ملفا لرصد الرؤي ولاستبيان الموقف ورصد مستقبليات الموقف في وقت واحد وبموضوعية تامة. ويرصد الملف تفاصيل ورقة التقييم الصادرة عن معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل في23 الشهر الماضي ويحاور الدكتور مصطفي اللباد مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقليمية والاستراتيجية والخبير العسكري الدكتور قدري سعيد ونفتح صفحات الملف لمقالين الأول للدكتور محمد مجاهد الزيات نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط والثاني للدكتور عماد جاد رئيس برنامج الدراسات الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية. في حديثه أمام لجنة الدفاع والشئون الخارجية بالكنيست, أدعي رئيس الموساد مائير داجان, أنه علي حين أن الإيرانيين مستمرون في تطوير قدراتهم النووية بإعتبارها هدفا إستراتيجيا, فإنهم واجهوا العديد من الصعوبات أكثر مما كانوا يتوقعون خاصة فيما يتعلق بالقدرات التكنولوجية الملائمة لتحقيق هذا الهدف. وليس من الواضح ما إذا كان داجان يشير الي صعوبات تكنولوجية محلية أم مستوردة من الخارج, بمعني وجود تدخلات خارجية استهدفت التأثير علي الجدول الزمني الذي وضعه الايرانيون للوصول الي العتبة النووية. في السياق ذاته قال جاري سمور مستشار الرئيس الامريكي باراك اوباما لشئون ضبط الانتشار والتسلح النووي: أن هناك دلائل واضحة علي وجود عقبات في عمليات تخصيب اليورانيوم التي تجريها ايران وهو ماسيؤثر بشدة علي قدرتها علي إنتاج اسلحة نووية. والواقع ان مستقبل المشروع النووي الايراني سيعتمد الي حد كبير علي القدرة علي ضبط ساعات مختلفة لجعلها تعمل معا بشكل متزامن واهمها الساعتان التكنولوجية والسياسية. ومن الواضح ان عقارب الساعة السياسية متخلفة عن نظيرتها التكنولوجية. وتهدف الحملة الغربية الموجهة ضد ايران الي دفع عقارب الساعة السياسية( الجهود الدولية لحمل ايران علي التراجع عن تخصيب اليورانيوم) لتسير بشكل متزامن مع جهود إعاقة تقدم عقارب الساعة التكنولوجية تحاول هذه المقالة إختبار وبحث بعض المشكلات في هذه السياسة, منطلقة من الإقرار بأن التأثير علي الجدول الزمني الذي وضعته ايران للوصول الي العتبة النووية مرتبط بالتطور المحتمل للرد بالوسائل السياسية والعسكرية علي التحدي الايراني. بين العقوبات, التي اثبتت عدم فاعليتها حتي الان, والخيار العسكري الذي يبدو صعبا من زاوية تكلفته عامة, هناك وسائل أخري إضافية يمكن استخدامها لتحقيق نفس الهدف مهما كانت محدودية هذه الوسائل أو الخيارات هناك علي سبيل المثال مسألة الإنشطة السرية والتي تحدثت عنها تقارير إعلامية شتي تدور حول خطة لحرمان ايران من العقول العاملة في المجال النووي ومجالات اخري بدفع عدد منهم للفرار من ايران جنبا الي جنب مع عمليات تخريب دورية في البنية الاساسية الايرانية( تخريب شبكات كهرباء, واتصالات وأجهزة كومبيوتر تعمل في برنامج تخصيب اليورانيوم) وهي عمليات تسببت في تأخير الجدول الزمني المحدد لانجاز المهمة المطلوبة, ولكن مثل هذه الوسائل تبدو محدودة الفاعلية قياسا علي ما اثبتته ايران من قدرة علي معالجة هذه المشكلات في السابق. من المهم مثلا البحث عن يد خفية تقوم بهذه المهمة علي نطاق واسع من أجل ايجاد تأثير نفسي علي الايرانيين لإحباط مسعاهم لدخول العتبة النووية, هذه اليد الخفية بمثابة رسالة تقول للايرانيين ان خططكم ومؤسساتكم مكشوفة ومخترقة وان الغرب قادر علي معرفة تفاصيلها. ان من شأن ذلك زرع الشك في نفوسهم بحيث يعتقدون أن إية إعطال ولو عادية هي نتيجة عمل هذه اليد الخفية التي تعمل من الخارج. بالإضافة إلي أن تسريب معلومات او شائعات حول وجود مثل هذه اليد سيسهم بشكل واضح في تغذية البارانويا الايرانية بما يعادي تأثير التخريب الفعلي في المعدات النووية الايرانية أيضا يمكن لهذه الشكوك ان توجد نزاعات بين المسئولين السياسيين في النظام الايراني وبين قادة هذا المشروع من الفنيين والعلماء والاداريين ويبدو ان إبعاد اغازدي من رئاسة وكالة الطاقة النووية الايرانية قد جاء علي خلفية هذه الشكوك بعد إتهامه بالمسئولية عن الاعطال المتكررة في مفاعل ناتانز. أن الانشطة السرية يمكن لها أن تضعف عزيمة ايران بسبب ماتلحقه من خسائر بالمشروع الايراني ويمكن أن تجعلهم يفكرون أنه كان من الافضل أن يتخذوا مواقف معتدلة وألا يتحدوا العالم اجمع. ومن الميزات الأخري للعمليات أو الانشطة السرية إنها تزيد الضغوط علي ايران بشكل أكبر من الأثر الذي تحدثه العقوبات, وتجنب الغرب تكلفة غير منظورة لهجمات عسكرية علي المفاعلات الايرانية. فيما يبدو أن التصور الأمريكي الذي يعمل كرأس حربة في إطار هذه السياسة( العمليات السرية) ينظر الي مثل هذه الأنشطة علي أنها توفر وقتا ثمينا من اجل جعل العقوبات تعمل بشكل اكبر وأسرع تأثيرا, ومن أجل توفير اجواء ملائمة لإنسحاب القوات الأمريكية من العراق دونما منغصات كبري, كما يمكن من خلال زيادة هذه الانشطة السرية إقناع اسرائيل بالتروي وعدم اتخاذ مبادرات منفردة في مواجهة المشروع النووي الايراني. ومن وجهة نظر من يريدون تجنب عمل عسكري ضد ايران, فإن الانشطة أو العمليات السرية يمكن أن تدفع ايران لمواقف مرنة ريثما يتم التوصل لحلول سياسية وإقتصادية للتحدي الايراني. علي إنه من المحتمل أن يكون للتدخل الخارجي إذا ما اتسع نطاقه في الشأن الايراني اثر سلبي, بمعني امكانية أن يقود النظام الحالي الي التمسك أكثر بالمضي قدما في مشروعه النووي, وبشكل عام ليس من الواضح ما إذا كانت وكالات المخابرات الاجنبية( الغربية تحديدا) تمتلك القدرات الكافية لشن حملة تخريب ضد المفاعلات النووية الايرانية بمدي ناجح لتحقيق الأهداف المرجوة, علاوة علي ذلك فإن أي خطأ صغير أثناء تنفيذ هذه العمليات يمكن أن يتسبب في خسائر كبيرة وأن يدمر الجهود بأكملها التي بذلت لوقف التحدي الايراني. أكثر من ذلك فإن المرء يتساءل ما إذا كانت العمليات السرية مؤثرة فعلا أم لا, من المحتمل نعم ولكن ليس من الواضح الي أي مدي خاصة مع حرص إيران علي اقامة مشروعها النووي وتوزيع منشآته علي عدة مواقع متباعدة بعضها معروف وبعضها الآخر سري مدني وعسكري فضلا عن الحماية الكثيفة التي تتوفر لهذه المنشآت. بشكل عام خلال السنة الماضية حدث أن عقارب ساعة تغيير النظام الحالي في ايران كانت تسير ببطء وبتردد بينما كانت عقارب الساعة الخاصة بالبرنامج النووي تمضي بأقصي سرعة وتصميم وفي الاتجاه المعاكس, فقد قمعت الحكومة الايرانية بوحشية المظاهرات التي اندلعت في أعقاب ظهور نتائج الانتخابات العامة في يونيو من العام الماضي. لقد تأثرت شعبية النظام الحاكم هناك وربما تقود سياسة القمع تلك في حالة استمرارها الي تزايد المطالبين بإيقاف هذا المشروع بسبب مايسببه لايران من مشكلات فضلا عن تفاقم الازمات الاقتصادية الاجتماعية التي لاتجد الاهتمام الكافي كلها بسبب التركيز علي انجاز المشروع النووي. غير أن القدرة علي دعم مناعة البرنامج النووي وحمايته من هجوم عسكري مفاجئ تتزايد كلما مضي الوقت بدون حسم, ومن شأن مواصلة ايران دعم قدراتها الدفاعية وتحسين قوة تحصيناتها حول منشآتها النووية أن يقلل من إمكانية تنفيذ هجوم عسكري ناجح علي هذه المواقع, وفي هذه الحالة فإن العمل الاستخباراتي يغدو أكثر أهمية من أجل اعاقة المشروع النووي الايراني. ايضا من المحتمل جدا أن الساعة التكنولوجية قد أوشكت عقاربها علي اكمال دورتها الكاملة الي الحد الذي يصبح عنده من المستحيل منع ايران من الوصول الي هدف انتاج الوقود النووي, ولكن سيبقي من المفيد حتي في ظل ذلك, استمرار ممارسة الضغوط علي ايران بأستخدام الوسائل المشار اليها لحمل النظام هناك علي تكبد ثمن باهظ لسياسته دون الإضرار بالشعب الايراني علي أمل أن تميل الكفة لصالح من يفضلون انتهاج مواقف معتدلة من داخل هذا النظام. وفي كل الاحوال يبدو أنه علي الغرب أن يقرر الآن الثمن المستعد لتأديته لمنع ايران من تجاوز العقبة النووية. أن الأنشطة أو العمليات السرية يمكن أن تطيل طريق ايران للوصول الي هذه العتبة وتمنح صانعي القرار المزيد من الوقت للتفكير في حزمة افعال وانشطة أخري. ورغم ذلك فإن هذه السياسة تحتاج لحذر بالغ كما إنها ليست حلا شافيا أو سحريا, لأنه في الواقع لايوجد مثل هذا الحل. ويمكن القول أن الفرص التي تمنحها الانشطة والعمليات السرية ليست كبيرة ما لم تصاحبها إجراءات إقتصادية وسياسية محددة. ومن المحتمل أن هذه الانشطة والعمليات قد كلفت النظام الايراني ثمنا باهظا ولكن ليس من المتوقع أن يتخلي هذا النظام عن أهدافه بسهولة خاصة إذا ما بدا له أن الطريق لتحقيق هذه الاهداف بات قصيرا وأن مزيدا من الخسائر يمكن تقبله من اجل الوصول الي نقطة النهاية. وبشكل عام من الصعب, إن لم يكن من المستحيل منع ايران من تحقيق أهدافها, خاصة إذا ماظلت الإجراءات الاقتصادية والسياسية( العقوبات) المتخذة ضد ايران علي حالها من المحدودية. علي الجانب الآخر من الممكن التأثير علي حسابات ايران فيما يتعلق بأحتمال ظهورها كقوة نووية ومن الممكن أن يكون التخريب في البنية الصناعية الايرانية طريقا آخر لإبطاء الساعة التكنولوجية بدون تكلفة توازي تلك التي ستنجم عن عمل عسكري, ويمكن لمثل هذه السياسات أن تكون مؤثرة بالفعل لمواجهة التحدي الايراني.