رحلت في صمت, مثلما عاشت في صمت, وعملت في هدوء, جاء نعيها علي استحياء, فيه شيء من حياتها, نعي ينطق بالسكينة والوقار. لم ينشر لها أحد صورة, لم يكتب أحد عنها مقالة, لم يسرد أحد عنها حكاية, لم يورد أحد عنها رواية. نبية الأصفهاني, من جيل الرواد في الأهرام, شاركت مع العظماء في تأسيس مجلة السياسة الدولية, مع العلامة الدكتور بطرس غالي, والعلامة الدكتور عبدالملك عودة, والعلامة الأستاذ السيد يسين..... خمسة وأربعون عاما في الأهرام, تدخل مكتبها في السياسة الدولية وتخرج منه إلي دارها, كأنها تدخل محرابا أو كأنها تخرج من صومعة, كأنها راهب متبتل أو كأنها ناسك زاهد. أنيقة في ثيابها, علي طراز غربي هادئ, كأنها أميرة من ويلز أو من اسكتلندا, لا تعرف الثرثرة, ولم تسمع عن مجالس النميمة, هي تنتمي إلي نوع النساء اللاتي اكتمل عقلهن واستوي نضجهن, رزينة مع دم خفيف, هادئة مع أعصاب مشدودة علي أوتار العمل, تقرأ وترصد وتحلل وتفكر وتكتب. تحمل خرائط العلاقات الدولية في دمائها, وفي أنفاسها, وفي جيوبها. ماكينة عقلية تفرم الزلط, تهضم وتستوعب, تنتقل برشاقة من النص العربي إلي الفرنسي إلي الانجليزي, تلمح تعقيدات التحول الاجتماعي والسياسي, استمعت منها إلي تحليلات فريدة لقصص الانهيار في الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية, سمعت منها إلي قراءة دقيقة لتفاصيل وتشابكات وتوازنات وأسرار وخفايا السياسة الأمريكية. نبية الأصفهاني, أعطت وما استبقت شيئا, وما أخذت شيئا. خمسة وأربعون عاما في الأهرام, لم تقلق أحدا, لم تزعج أحدا, لم تطلب شيئا, لم تفرض نفسها علي أحد. نبية الأصفهاني, قيمة جميلة, عقل جميل, روح جميلة, أخلاق جميلة.... وملائكة الرحمن تزف كل هذا الجمال, إلي لقاء الكريم... إلي جنة الخلد يانبية!