رحلت عن عالمنا نبية الأصفهاني رائدة من رواد الصحافة السياسية, وعلم في مجال العلاقات الدولية بعد أن جسدت نموذجا فريدا لجيل الرائدات اللائي أثقلن الأهرام مثلما أثقلتهن تلك المؤسسة. في عطاء متواز ومتدفق. عرفت نبية الأصفهاني, ذات الجذور الإيرانية الشركسية, منذ أن خطت أقدامي بلاط صاحبة الجلالة, وظل الحوار متواصلا بيننا بمكتبها بالسياسة الدولية, وخلال اشتراكنا في مؤتمرات فرنسا إفريقيا, وأتذكر كم استوقفتني شخصيتها المتميزة, الراقية خلال زيارة لنا بالدار البيضاء حيث كان يدشن الملك الحسن الثاني ميدانا باسم هوفويت بونيين رئيس جمهورية ساحل العاج الأسبق عام1989. ولقد جاء حديثي الأخير معها حول المناضل المغربي مهدي بن بركة, الذي ظلت تحاول فك طلاسم اختفائه ومتابعة كل ما ينشر عنه حتي طلبت مني أن أرسل لها آخر كتاب صدر عنه في باريس. فلقد ظل اهتمامها بالشأن المغربي راسخا في وجدانها بعد أن عملت إلي جانب الزعيم المغربي إلي أن تم اختطافه علي مقهي ليب الشهير بسان جيرمين, ولم تفكر يوما بأن تتاجر بتجربتها الثرية إلي جانبه, وعندما صدر كتاب السجينة لمليكة أوفقير كريمة الجنرال المغربي الذي دبر محاولة اغتيال الملك الراحل الحسن الثاني أطلعتنا نبية الأصفهاني بعرض عبقري للكتاب بوجهات نظر, ونوهت بين السطور بحقائق وتفسيرات لم يقدمها أحد من خلال تحليلها لتصريحات فاطمة أوفقير زوجة وزير الدفاع المغربي السابق!! واقترح أن تبادر السياسة الدولية التي كانت الراحلة من مؤسسيها الأوائل مع الدكتور بطرس غالي بالتعاون مع مركز الأهرام للترجمة والنشر في إصدار كتاب عن تقاريرها ومقالاتها في السياسة الدولية, وفي الصحف المغربية والجزائرية الناطقة بالفرنسية, وبقية الصحف التي أفردت إنتاجها الأكاديمي, ذلك لأن كتاباتها مرجع أساسي لطلبة الماجستير والدكتوراه. كانت نبية راهبة في محراب السياسة الدولية, وبرغم أنها فقدت نعمة البصر في أيامها الأخيرة إلا أنها ظلت شفافة تري وتقرأ بقلبها! رحم الله الزميلة العزيزة التي هي نموذج رائع لجيل اقتحم المهنة. المزيد من مقالات عائشة عبد الغفار