هي نصف المجتمع. البعض يقول انها نصف المجتمع الذي يربي النصف الآخر، إنها الأم والزوجة والابنة والأخت وشريك الرجل في كل شيء حيث تشاركه البيت وبناء الأسرة وكذلك سوق العمل الذي أصبح ساحة لمنافسة محتدمة بين الإناث والذكور للفوز بفرص العمل. وما بين دفاع "السيدات" عن حقوقهن وتأكيدهن عدم الحصول عليها وتعرضهن للظلم والتمييز في المجتمع وبين هجوم "الرجال" وتأكيدهم هم أيضا أن المرأة حصلت علي حقوقها كاملة بل يزيد عليه، يبقي الصراع مستمرا ويظل الحديث عن حقوق المرأة وواجباتها مفتوحا يهدأ ويشتعل بين الحين والآخر وارتباطا بالأحداث التي تتعلق بقضايا المرأة. منذ أيام قليلة خرجت علينا مؤسسة "تومسون رويترز" بدراسة تؤكد أن مصر هي أسوأ دولة في العالم العربي يمكن للمرأة أن تعيش فيها حيث شملت الدراسة تقييما لوضع المرأة في 22 بلدا عربيا من حيث تعرضها للعنف اللفظي والجسدي وحصولها علي حقوقها وكيفية اندماجها في المجتمع وكذلك دورها في السياسة والاقتصاد. ووجود مصر في "ذيل" القائمة يفتح الملف من جديد خاصة أن الدراسة استندت إلي بعض الأزمات التي تعاني منها المرأة في مصر مثل العنف والتحرش الجنسي حيث تتعرض 99.3% من السيدات للتحرش وارتفاع معدلات الختان حيث خضعت نحو 27.2 مليون سيدة وفتاة للختان والاتجار بالنساء وعدم إلمام 37% من النساء المصريات بالقراءة والكتابة، الأمر الذي يستغله البعض لأغراض سياسية. ولأنها قضية جدلية منذ سنوات عديدة أثارت هذه الدراسة ونتائجها ردود فعل متباينة ولكن كان هناك انقسام واضح بين موقف الرجال والنساء من هذه الدراسة حيث دافعت معظم السيدات عن النتائج مؤكدن صحتها وأشرن إلي أزمات عديدة تعاني منها المرأة في مصر وعلي النقيض جاء الرفض علي لسان معظم الرجال الذين رأوا أن هذه النتائج غير صحيحة ولا تعبر عن الواقع الذي نعيشه والذي تحصل فيه المرأة علي حقوقها كاملة. وقد قارنت الدراسة حال المرأة قبل الثورة وبعدها واعتبرتها أكبر الخاسرين من ثورات الربيع العربي بسبب الصراعات الداخلية وانعدام الاستقرار ووجود انفلات أمني كان له بالغ الأثر علي المرأة. في البداية تؤكد رشا سامي طالبة بكلية الآداب جامعة عين شمس اتفاقها مع نتائج الدراسة مشيرة إلي أن المرأة عانت الكثير من الانتهاكات من قبل ولا تزال معاناتها مستمرة بعد الثورة بل زادت رغم حصولها علي فرص عمل أفضل من الرجال في عدة مجالات كما أنها حصلت علي مناصب قيادية أيضا ولكن نظرًا لثقافة المجتمع الذكورية علي حد قولها فإن النظرة المغلوطة للمرأة لا تزال تحيط بها وبحياتها لدرجة جعلتها تتعرض لكثير من الانتهاكات التي تحرمها من ممارسة حياتها بشكل طبيعي أو التمتع بحقوقها وأبرز هذه الانتهاكات ظاهرة التحرش الجنسي التي انتشرت بشكل غير مسبوق بعد الثورة ويرجع ذلك إلي الفهم الخاطئ للحرية علاوة علي غباب القانون الذي يقف بكل حسم أمام هذه الانتهاكات وكذلك غياب العقاب الرادع لمرتكبي مثل هذه الأفعال وغيرها، وتري أن ضعف الوازع الديني وعدم الفهم الصحيح لدور المرأة أسهم كثيرا في سوء وضع المرأة المصرية. وتري مايسة نظيم ربة منزل أن نتائج الدراسة تتفق إلي حد كبير مع واقع المرأة في مصر مؤكدة أن وضع المرأة في تدهور مستمر منذ سنوات طويلة ولكن الوضع ازداد سوءًا بعد الثورة نظرًا لموجة الانفلات الأمني التي أعقبتها، هذه الفوضي التي جاءت بالعنف الذي أصبح مسيطرًا علي سلوكيات غالبية المواطنين في الشارع وكان أكثر المتضررين من هذا الوضع النساء خاصة بعدما تفشت ظاهرة التحرش الجنسي ولم يعد باستطاعة أحد التصدي لها بل وصلت في بعض الأحيان إلي درجة الاعتداءات الجنسية المتوحشة. وبنبرة غضب واضحة استطردت حديثها مؤكدة أنه تم تجاهل الكثير من الحالات التي تعرضت لمثل هذه الانتهاكات ولم يتم تنفيذ القانون كما ينبغي إما لصعوبة تطبيق هذا القانون أو امتناع بعض الفتيات عن البوح بمثل هذه الوقائع خوفا من نظرة المجتمع لهن، وأكدت أن المرأة تعاني أيضا من تجاهل شديد في الساحة السياسية خاصة في البرلمان حيث إن تمثيل المرأة في كل مجلس نيابي لا يتناسب مطلقا مع نسبة السيدات في مصر، وأشارت إلي دستور 2012 المعطل مؤكدة أنه لم يعط للمرأة حقوقها التي كانت تبغيها في أول دستور بعد الثورة، أما الحالة الاقتصادية فتري أن تدهورها كان له بالغ الأثر علي المرأة حيث أصبح الحصول علي فرصة عمل للمرأة أمرًا غاية في الصعوبة. وتتفق نادية مدني طبيبة مع نتائج الدراسة مؤكدة أنها ليست بعيدة أبدًا عن الواقع الذي نعيشه، وتري أن النظرة الذكورية الدونية للمرأة لاتزال مسيطرة علي أسس التعامل بين الجنسين في المجتمع، وينطبق الوضع علي شريحة كبيرة من النساء اللاتي يعانين من الأمية أو ضعف المستوي التعليمي ويعشن وسط أسرة محدودة الدخل مما يجعلهن مضطرات للخضوع لوجهة نظر متحيزة تزداد بها الضغوط عليهن. وتقول "ما أسهل أن يتم اتهام المرأة بكونها المتسبب في انتشار ظاهرة التحرش الجنسي والانتهاكات الجنسية وكونها الطرف المخطئ في النزاعات الأسرية أو الزوجية"، رغم أن ذلك يحدث نتيجة الفهم المتدني للتعاليم الدينية، الأمر الذي تفاقم بعد الثورة وساعد عليه سيادة الفكر الديني المتطرف الذي ساد طوال فترة حكم الإخوان من قبل البعض والذي أعان المجتمع ذا النزعة المنحازة للذكور علي انتهاج سلوكيات تهميشية وقمعية أكثر ضد النساء تحت غطاء من القانون واللوائح المجحفة. وتوضح أنه بالرغم من حصول العديد من النساء من الشريحة المتعلمة تعليما علي مواقع قيادية ومهنية مميزة أخيرا إلا أن هذه الفئة عددها قليل للغاية وتأثيرها أيضا ضعيف ولا تمثل الغالبية العظمي من نساء مصر خاصة أن هناك العديد من السيدات اللاتي يعُلن أسرهن ويتحملن مشقة العمل المضني والمواصلات السيئة والضغوط اليومية ولا يراعي حقوقهن أحد لا ضمن منظومة أسرهن ولا خارجها علي مستوي المجتمع علي حد قولها. ويختلف أحمد حامد مهندس مع نتائج الدراسة والمدافعات عن المرأة مؤكدًا أن الدراسة لا تعبر عن الواقع في مصر أبدًا فالمرأة حصلت علي جميع حقوقها بل إن حال المرأة المصرية أفضل بكثير من بعض الدول العربية. وتري أماني رأفت طبيبة أن نتائج الدراسة صحيحة بنسبة كبيرة حيث إن البعض لايزال يتعامل مع المرأة علي أنها عورة ومجرد ظهورها في الشارع أو في سوق العمل حتي لو كانت محتشمة في مظهرها لابد وأن يعرضها للمهانة وتصبح هي المسئولة عن تعرضها لأي مشكلة أو انتهاك. وتؤكد أن هذه الظواهر السلبية كالتحرش الجنسي لم تكن موجودة في مصر وظهرت تدريجيا مع ظهور الفكر المتطرف الذي يطبق خصيصا علي المرأة دون غيرها. وتقول هبة قراعة مهندسة معمارية إن الفئة الأكثر حرمانا في المجتمع ظهرت بعد الثورة لذلك تفشت معظم الظواهر السلبية والانفلات الأخلاقي والذي مارسه الرجل تجاه المرأة بشكل صريح وعدواني للغاية خاصة في ظل الغياب الأمني والاهتمام بقضايا سياسية أخري رغم خطورة هذه الظواهر كظاهرة التحرش الجنسي مثلا لما لها من أضرار جسيمة علي وضع المرأة والوضع المجتمعي ككل حيث يعتقد المعتدي أنه بمأمن من العقاب ولن يتم توقيع أي عقوبة عليه رغم وجود قوانين من المفترض أنها تردع مرتكبي هذه الانتهاكات. وأضافت أن صعود تيار الإسلام السياسي وإفساح المجال لبعض المتطرفين المتحدثين باسم الدين والسياسة معًا وتركيزهم في الحديث عن المرأة علي صورة معينة تستهدف قمعها والسيطرة عليها. وتؤكد أميرة سرور تعمل في إحدي الجمعيات الخيرية اتفاقها مع نتائج الدراسة مؤكدة أن المرأة ساء حالها بعد الثورة لأن الوضع نفسه لم يتغير بل زاد الانفلات الأمني بعدها مباشرة ثم الانفلات الأخلاقي الذي تفشي وأتي بظواهر شاذة علي مجتمعنا، وأكدت أن النظرة الدونية للمرأة في المجتمع أدت إلي تهميش دورها والجهل به حتي لو كان دورها مهما في القطاع الموجودة فيه. وتتفق أسماء عصام منسق إعلامي بالمعهد المصري الديمقراطي مع الدراسة بشكل جزئي حيث تري أن المرأة المصرية تعاني من عدم الحصول علي جميع حقوقها ولكن هناك من هم أدني منها بكثير بل إن وضع المرأة في بعض الدول الأوروبية التي تعد مثالا يحتذي به في التقدم والرقي سييء للغاية وضربت مثلا بالعنف المستخدم ضد المرأة الفرنسية، كما أنها أكدت أن المشكلة قديمة ولا ترتبط بالثورة مثلما ربطتها دراسة رويترز. ولكنها تؤكد أننا في أمس الحاجة لإعادة هيكلة القوانين المسئولة عن حماية حقوق المرأة وضمان حياة كريمة لها ومستوي تعليمي مناسب، وأشادت بالوقفات التي تنظمها بعض المنظمات النسوية بشأن مطالب المرأة ووضعها وضمان جميع حقوقها في الدستور الجديد. ويري كريم أشرف مبرمج كمبيوتر أن المرأة المصرية حصلت علي حقوقها كاملة ويكفي أنها تحررت من قيود عديدة كانت تفرض عليها حتي الماضي القريب علي حد قوله، مشيرًا إلي أن المشكلة في بعض الانتهاكات التي تعاني منها المرأة والتي ظهرت بعد الثورة ويري أن أخطرها ظاهرة التحرش الجنسي منتقدًا الفكر الخاطئ السائد لدي بعض الرجال بأن المرأة هي المسئولة عن تفشي ظاهرة التحرش وقال "أيًا كان الزي الذي ترتديه المرأة في الشارع فإنها تتعرض للمضايقات لأن الأزمة في تفكير الرجل وليس زي المرأة". رابط دائم :