بعد أن ودعت الأمة الإسلامية سنة هجرية بكل ما فيها من حسنات وسيئات تتكرر المناسبات والأيام المباركات ويغفل المسلمون عن نفحات تلك الذكري وما تحمله من رحمات يحظي بها فقط من يتعرض لها, ومن أبرزها الهجرة إلي الله عز وجل بترك المعاصي والمنهيات إلي فعل الطاعات والالتزام بما أمر الله به, والأمة في أشد الحاجة للهجرة إلي الله بترك سلوكياتها الخاطئة إلي سلوكيات روحية والالتزام بتعاليم الأخلاق الاسلامية السمحة ليكون أفضل حالا في عامه الذي يستقبله ليكون مهاجرا إلي الله حقا. في البداية يوضح الدكتور عبد الرحمن نصار إمام وخطيب مسجد القائد ابراهيم بالاسكندرية أن الهجرة معناها الترك أي ترك ما نهي الله عنه وهي مخاطب بها جميع المسلمين بأن يتركوا المنهيات وأن يفعلوا المأمورات لقوله تعالي وقال إني مهاجر إلي ربي علي لسان ابراهيم عليه السلام أي أنه يذهب إلي طاعة ربه والهجرة إلي الله تتطلب نفس شروط التوبة من الإقلاع عن فعل المعاصي والعزم علي عدم العودة إليها ووقتها قبل خروج الروح لقوله تعالي لفرعون عندما أدركه الغرق حينما قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل فقال له الحق تبارك وتعالي الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين وقبل شروق الشمس من المغرب. ويشير الدكتور رشدي شحاتة رئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق جامعة حلوان إلي أن الهجرة السلوكية هي التي يحتاج إليها المسلمون بمعني أن يهجر المسلم جل سلوك يعتبره أولي الأمر مخالفا لشرع الله أو قوانين الدولة إلي سلوك آخر يعتبرونه سلوكا قويما بمعني أدق أن يقوم كل منا بعملية تخلية وتحلية تخلية بمعني أن يتخلي عن كل صفة مرذولة ويتحلي بصفة محمودة وعلي سبيل المثال في أيامنا هذه يجب علي بعض الشباب التأثر أن يتخلي عن قطع الطرق والتعدي علي الأنفس والممتلكات, فالهجرة تعني تطبيق شرع الله قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فأي صفة يحبها الله إذا تحلي بها المسلم وتخلي عن الصفات التي يبغضها الله فقد هاجر إليه فالله يحب الصابرين ويحب المحسنين والمخلصين والمتوكلين وكذلك إذا تخلي المسلم من الصفات التي يبغضها الله كالمبذرين والمخادعين والكاذبين والمرائين. ويوضح الدكتور محمد حرز الله إمام مسجد الحسين أن الهجرة بذلك تكون الانتقال من مكان إلي مكان أو من حال إلي حال من حال الضعف إلي القوة ومن حال الفقر إلي الغني من حال الجهل إلي العلم فهذا تغيير لمجاله ودفعه لمكانته ونحن في أحوج ما نكون إلي هذه الهجرة وخاصة ونحن في بداية سنة هجرية جديدة ونودع عاما قد مضي بكل ما فيه من حسنات وسيئات فإذا انتقل الفرد من هذا العام ليستقبل عاما جديدا معاهدا وبه ملتزما بتعاليم وأخلاق دينه في سماحته ويسره ليكون أفضل حالا في عامه الذي يستقبله فقد هاجر إلي الله حقا وهذا معني قوله صلي الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوي فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله فهجرته إلي الله ورسوله وإذا تأمل العبد ودقق في أحواله سيجد أنه لا مفر ولا ملجأ له من الله إلا إليه فإن علم ذلك علم اليقين فتراه يهجر المعاصي إلي الطاعات ويهجر سوء الأخلاق إلي أحسنها وتراه كريما عطوفا متعاونا محبا لنفسه ولغيره ولوطنه ودينه فمن فعل ذلك فقد هاجر إلي الله حقا. وتكون الهجرة إلي الله بنية خالصة وصادقة ومعاهدة والتزام بين العبد وخالقه في أنه لن يتعمد المعصية أبدا ولكن إذا وقع فيها سرعان ما يهرع إلي ربه لقوله تعالي ففروا إلي الله إني لكم منه نذير مبين وإذا نظرنا في تاريخنا الإسلامي وجدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالهجرة من مكة إلي الحبشة حيث استقبلهم النجاشي النصراني ملك تلك البلاد بكل حب وسلام وأمان وإكرام فياليت دعاة الفتنة التي يريدون تأجيجها في المجتمع يعملون أن الرباط القوي بين الدين الإسلامي وأبنائه وبين الأديان الأخري يقوم علي المحبة للجميع والسلام للكل لقوله تعالي لكم دينكم ولي دين فهذا النجاشي يكرم أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ويسمح لهم بنشر الإسلام في بلاده وقد فروا من قومهم فآمنهم علي أنفسهم وجعلهم ضيوفا كراما علي بلاده وإن كان قد أسلم فيما بعد وصلي عليه سيد الخلق صلي الله عليه وسلم صلاة الغائب فهذه كانت الهجرة الأولي وكانت هناك هجرة ثانية إلي الحبشة أيضا وكان فيها عثمان بن عفان وأم كلثوم بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم فانتقلوا بأخلاقهم وعدلهم ولم يتغيروا فزادهم الله إيمانا ورفعة ثم كانت الهجرة الكبري إلي المدينةالمنورة حيث الرضا والأمن وتأسيس دولة الحق والعدل. ومن جانبه يوضح الشيخ فؤاد عبد العظيم وكيل وزارة الأوقاف أن للهجرة معاني عظيمة وكبيرة تذكرنا بأنه لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فهي تذكرنا بالسماحة وحب الوطن وبناء الدولة وتذكرنا بالمساجد وحرمتها ودورها في المجتمع لأن الرسول حينما أراد أن يصنع دولة أول عمل قام به كان بناء المسجد ثم دور الإسلام والمسلمين مع الآخرين لكي يعلموا أخلاق المسلمين وما فيها من سماحة ولين وعطف وكرم مع غيرهم في معاملاتهم المختلفة وكيف كانوا أخوة فيما بينهم وكيف آخي رسول الله صلي الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار وكيف كانت وثيقة المدينة التي أثبتت كيف كانت سماحة الإسلام مع أبناء الديانات الأخري وما وضعه لهم من حقوق وما جعله عليهم من واجبات مثلهم مثل المسلمين لهم مالنا وعليهم ما علينا لتظل تلك الوثيقة إلي يوم القيامة تثبت علي مر الزمان سماحة الإسلام في التعامل مع الآخرين في بيت واحد ووطن واحد مشيرا إلي أن الهجرة إلي الله تعلمنا الخروج من المعاصي والتآخي في الله والتعامل مع غير المسلمين بأخلاق حسنة وأن يكون المسجد هو بداية الإنطلاق بالدعوة إلي الوسطين والاعتدال تحت راية الأزهر الشريف حيث الوسطية والاعتدال فإذا كان الله تبارك وتعالي قد من علي المسلمين بالكعبة بأن جعلها قبلة آمنة لهم فإن الأزهر الشريف سيظل كعبة العلم والعلماء إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها مؤكدا أن الانتماء والولاء والسمع والطاعة لله ولرسوله لتحقق الأمن والأمان وتتحقق الهجرة إلي الله بالإقلاع عن المعاصي والذنوب والتوبة إلي الله والندم علي ارتكاب المعصية وأن يعلم الانسان أن الله يراه في سره وعلانيته ويطلع سبحانه وتعالي علي قلبه وقوله فيجعل المسلم الفعل لله والقول لله والأولاد لله والأموال لله فتتحقق الخشية لله في قلب الانسان فيحظي بمغفرة الله ورضوانه لقوله تعالي إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير. رابط دائم :