لا أعتقد أن الحالة المصرية الحالية تؤهل الدولة لأية تغييرات جذرية, لا أقول ذلك قاصدا الاستفتاء علي الدستور والانتخابات الرئاسية والبرلمانية وباقي استحقاقات خارطة الطريق فحسب ولكن في كل القضايا بداية من السياسات الخارجية غير الخاضعة لمصلحة مصر ونهاية بنظافة الشوارع. المشكلة الكبري أننا نجرد قضايانا من ارتباطاتها الطبيعية بمصلحة الوطن ونصيغها ونقيمها باعتبارات أخري ترتبط بالأشخاص وحسابات المكسب والخسارة رغم أن تلك الاعتبارات تجعلنا دائما نخسر أكثر مما نربح, وإذا حاول شخص أو فصيل سياسي أو مجموعات من الشباب بل والحكومة أيضا تقديم نموذج جديد فإنه إن لم يتفنن في الاعتبارات الشخصية يجد من يحيطه بهالتها ويغمره بأعاصيرها وكأننا نعادي بلادنا التي تغرد بهمومها وحيدة في مواجهة الأمواج العاتية. والحالة المصرية الحالية تعكس خليطا غريبا وغامضا وربما يكون غير مبرر ولا منطقي من التصرفات التي لا علاقة لها بالتغيير رغم أنها ترتبط به, وتكاد جميعها تؤكد أننا نسير عكس اتجاه الرياح الذي سيقودنا إلي جني ثمار ثورتين رفعت إحداهما شعار العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والثانية أعادت مصر إلي أبنائها من عصابة مكرت وخططت لإدخالها في نفق التقسيم والفتنة الطائفية والحرب الأهلية. المشكلة الكبري أن أصحاب تلك التصرفات لا يدركون أنهم يهدمون المعبد علي مؤمنيه وكفاره إذ يتعاملون بنظام المرايا التي يجعلونها مقعرة لتكبير مصالحهم محدبة لتصغير ما يريده الآخرون لا متوازنة أو مستوية في التعامل مع الأشياء بمنطق مقبول لا يكبر شيئا أو يصغره إلا وفق قواعد ومعايير منطقية ترتبط بالصالح العام وسبل التوصل إلي تحقيق حلم الوطن. فالانتخابات الرئاسية من منظور الحالة المصرية تحولت فجأة إلي حرب بين الجنرالات, تستخدم فيها كل أسلحة تكسير العظام وتشويهها بداية من تسريب الصور والتلاعب بها و الهري بشأنها علي مواقع التواصل الاجتماعي والخلاف المصطنع حولها بالأسطر المدفوعة مسبقا أو التي يتم تحديد نوع حبرها من وراء حجاب, متجاهلة عن عمد ما قد يأخذ بيد مصر إلي مستقبل يتسق مع مطالب الغالبية العظمي من أبنائها الذين يتابعون استعدادات الجنرالات للانتخابات الرئاسية وكأنها لا تعنيهم أو كأنها مباراة في رياضة فردية لا تعترف بالجهد الجماعي قدر اعتمادها علي عضلات التربيط الداخلي والصفقات الغامضة خارج الحدود. وما يرتبط بالانتخابات الرئاسية يقترب بصورة أو أخري من الانتخابات البرلمانية التي يتم الاستعداد لها بطريقة لا تتباين عن ملامح المشهد الرئاسي ولكن تختلف عنها في عدم احترافية القائمين علي التلاعب بعرائس الماريونيت في كشوفها الانتخابية ودعايتها التي تخالط الأفكار التافهة وعلي أبواب لجانها التي تعرف ناخبيها أكثر مما تتعرف علي ملامح من تفكر عقول الهواة وأيدي الباحثين عن المصلحة الشخصية في ترشحهم لخوض أخطر انتخابات برلمانية في تاريخ مصر, والتي تتخذ من تحالفات السر والعلانية شعارا للتحرك يقترب تارة من بقايا وفلول فساد نظام مبارك وأخري بثوار التمرد الجدد وثالثة بشعارات الأحزاب الكرتونية التي تتكلم أكثر مما تتحرك بين الناس متجاهلة هوي الشارع المصري الذي لم يرفع كل أياديه عن قوي التيار الإسلامي التي يمكن أن تتجمع وتتفق وتتحالف فيما بينها بعد انتخابات الهواة وتمتلك الأغلبية التي تعيد مصر إلي النقطة صفر بحسابات الفارق الزمني بين ثورة25 يناير وثورة30 يونيو. ولا تبتعد ملامح الحالة المصرية عن الحكومة الحالية التي تبدو وكأنها لا تعرف اتجاه الريح وتترك كل ما يتعلق بالمشهد وتصنع لنفسها لحافا من خيال لا يجنبها أعراض ارتعاشات فصولها السياسية المتداخلة فتزيد أغطيتها بطوارئ لا تطبق وبمشروعات قوانين متعددة الرفض الشعبي مثل التظاهر وقانون الإرهاب ومنع الجرافيتي وغيرها, وتلجأ في حالات أخري إلي محاولة الخروج من بياتها الدائم ولكنها تتعثر بفضل وزرائها الذين يجترون الماضي ويتعثرون أمام الحاضر ولا يدركون سبل اللحاق بالمستقبل. لذلك لا نجد غرابة أن تظهر الحكومة بصورتها الحالية في الحالة المصرية منزوعة الإنجاز وخالية من جدية الأداء بل وتتجه لا إلي مصالحة المواطن والعمل علي تحقيق طموحاته ولكن إلي حماية أعضائها بقوانين تجنبهم المحاسبة والمساءلة مثل حسن النية وعدم القصد الجنائي. أما القوي السياسية والثورية والحزبية وتجمعات النشطاء والمجتمع المدني وعموم وكلاء الثورة والتحرك الشعبي الباهت فيتأرجحون بين جني ثمار لم تنضج والاستعداد لحصاد سياسي لا يجيء, ومن تلك الحالة تراهم يتحدثون عن المصالحة الوطنية ما دامت دون موانع فإذا تعثرت بمانع فلا مصالحة في الدم, ويتكلمون عن التحالف مادام يسير في اتجاه الحقوق الحصرية لمن يرسمون خطوط السير, فإذا جهلوا أو تجاهلوا الطريق فلا تحالف, باختصار: قوي سياسية تتحرك بريموت كنترول ليس به بطاريات طاقة تحرك مفاتيحه فتبقي دائما بلا حراك وإذا تحركت تكون بلا لون ولا طعم ولا رائحة إلا ما يحقق مصلحتهم دون النظر إلي المجتمع ولو بعين لا تري. أمام تلك التداخلات يجد المواطن المصري نفسه وحيدا بين ملفات خارجية تتأرجح بين الولاء لأمريكا والاقتراب من أوربا أو البحث عن البديل الروسي, وتتعثر أقدامه في تصادمات الانتخابات واتهامات القوي السياسية وعثرات الحكومة التي تحتاج جهودها إلي قصاص أثر لمحاولة الوصول إلي معالمها, وتغرق في وحل اجتهادت القوي السياسية, وتتحطم إرادته علي أبواب المطبلاتية وكذابي الزفة وماسحي جوخ لتتزايد أوهام الحالة المصرية التي تتجمع تناقضاتها في تحذير لا يسمعه أحد بأن الدولة ترجع إلي الخلف! رابط دائم :