ماذا لو؟ سؤال افتراضي مزمن عمره آلاف السنوات صحيح أنه غالبا لم يؤد طيلة سنوات التاريخ القديم والحديث الي كثير أو بالأحري أي تغيير يذكر, الا أنه لا يضر أن نسأل ماذا لو؟! وهذه الايام يلح علي شخصي الكريم هذا السؤال في ملف واحد ألا وهو الملف النسوي أو النسائي أو الحريمي أو الأنثوي, وهو الملف الذي يمثل أحد وجهي عملة البشرية, اذ أن الوجه الآخر هو للسيد آدم الذكوري الرجالي الخنشوري. عشرات ان لم تكن مئات من الجمعيات والمؤسسات النسوية التي تحفر صخور الطبيعة البشرية الجرانيتية المتحجرة دون جدوي فهذه جمعية تعمل علي حق المرأة في الترشح في الانتخابات, وتلك تعمل لإعلاء كلمة المرأة في المجتمع, وثالثة همها الأوحد مكافحة التحرش الذي تعانيه المرأة في المجتمع, ورابعة تجاهد جهادا حسنا لحق المرأة في أجر يعادل أجر غريمها, وخامسة بح صوتها من أجل تجييش المجتمع لمناهضة العنف التي تتعرض له المرأة وهكذا. وبما أنني أري أن الغالبية العظمي من هذه الجهود أقرب ما تكون الي النفخ في قربة مقطوعة, فقد بدأت ألجأ كشأن الضعفاء والمغلوبين علي أمرهم ومن لا حول لهم أو قوة الي الأحلام فالطرف الذي عادة يكون مستمتعا بأكبر قدر ممكن من حقوقه وحقوق الغير, والطرف الذي يكون قد مرت عليه سنوات طويلة وهو غارق في متع وملذات لا أول لها أو آخر, والطرف الذي قد اعتاد الا يتعرض للمساءلة من آخرين حول أفعاله مهما كانت صائبة أو مخطئة يعتبر ما هو فيه حقا مكتسبا لا يجوز لأحد أن يقول له ثلث الثلاثة كام؟ مدام حكشة ولذلك فقد أطلقت العنان لأحلامي التي أخذتني الي موقف سيارات الميكروباص( المعروف محليا ب الميكروباظ) حيث وجدت أن حكشة و زلطة و حنكورة الذين اعتدت رؤيتهم هناك بشنباتهم المهولة, وأصواتهم الحنجورية, وعضلاتهم المفتولة قد تعرضوا لعملية احلال وتبديل, بحكشة وزلطة و حنكورة أيضا ولكن النسخة النسائية. صحيح أنهن لم يكن نماذج صارخة للجمال أو الرشاقة أو حتي الأنوثة, ولكنهن كن بيولوجيا وهرمونيا اناثا تعجبت لهذه المشهد, ونظرت حولي لأري أن مجتمع السائقين والتباعين قد تحول برمته لتسيطر عليه نون النسوة الأصوات الحنجورية الجهورية, ومخارج الألفاظ المشوهة, وحركات الجسد المبالغ فيها, وتشويحات الأيدي المقززة التي اعتدت علي رؤيتها في هذا الموقف العتيد مستمرة مع هذا التحول النسائي, لكنها كانت رغم كل شيء أخف وطأة وأقل اثارة للغثيان من ذي قبل. مدام حنكورة قررت أن أخوض تحربة التحول هذه حتي النهاية, فركبت احدي السيارات وتعمدت أن أكون في الصف الأمامي جنبا الي جنب مع الأسطي حنكورة بشحمها ولحمها, وهو للعلم كثير وبما أنني من المهتمين بالعمليات الاحصائية والتحليلية, فقد وجدت أن معدل لجوء مدام حنكورة لكلمات السباب والشتائم, وعدد المرات التي أشارت فيها بيديها باشارات يعاقب عليها القانون تقل عن معدل السيد حنكورة بنسبة تتراوح بين68 و72 في المائة أما معدل لجوئها الي الغرز والمقصات والكسر علي خلق الله ممن حولها من جموع السائقين, فرغم انه معدل عال بالقياس الي النسب العالمية, ولكنه قياسا بالسيد حنكورة منخفض جدا, ويكاد يصل الي النصف. وبنظرتي الثاقبة المحللة للأمور, أيقنت أن مدام حنكورة تتمتع بقدر هائل من الحنان الطبيعي والرأفة بالبشر قلما أظهرهما السيد حنكورة فهي ان لمحت رجلا مسنا أو سيدة عجوزا تحاول اللحق بالميكروباص, فهي تبذل كل ما في وسعها لمساعدته أو مساعدتها, كما تولي قدرا كبيرا من الاهتمام بالسيدات اللاتي يحملن أطفالا, وأيضا للفتيات, ويا ويله يا سواد ليله من يتجرأ من الركاب وتسول له نفسه أن يلتصق بفتاة من الركاب, أو يرذل عليها, أو يعمل نفسه مش واخذ باله أنه ملتصق بها, فقد عرض نفسه دون أن يدري لغضب مدام حنكورة التي تفتخر ببناتها الخمس, وتصفهن دائما بانهن أرجل من خمسة آلاف رجل وكيف أنهن يعملن ويجدن ويكدحن بعد ما خلع والدهن الخلعة الرجالي المعتادة تحت تأثير الادمان والعين الزائغة علي نساء أخريات. الكلب والحمار نزلت من الميكروباص وأنا علي يقين بأن العصر النسوي لعفاريت الأسفلت هو بالتأكيد أكثر آدمية, وأعمق انسانية, وأقل دموية, وأخف رعونة من العصر الذكوري الذي ولي وأدبر غير مأسوف عليه. وعقب نزولي سمعت أصواتا عالية صادرة عن جمهرة بشرية كتلك التي تتكون في لمح البصر ما أن تنشب مشادة أو معركة في الشارع وفي خضم الأصوات الذكورية المعتادة في مثل هذه الأحوال, والعبارات الكلاسيكية علي شاكلة هاطلع.. يا ابن ال.. و يا.. يا ابن ال وما يتبع مثل هذه العبارات المشحونة عادة من اقبال علي خلع القميص, ومن ثم الفانلة, وأحيانا الاجهاز علي حزام البنطلون الذي يتحول الي سلاح أبيض اما بغرض تهويش الخصم, أو فقء عينه, أو الحاق عاهة به, وذلك حسب رغبة الطرف الآخر في خضم كل هذا كان صوتا مسرسعا يأمر الطرفين المتناحرين بالتوقف فورا عن هذا الهراء, والا سيتم اللجوء الي التطبيق الفعلي للقانون مع كليهما ورغم الرقة الواضحة, والعذوبة الناعمة الطاغية علي الصوت, الا أن الحزم والصرامة كانا واضحين وضوح الشمس في النبرة. وكعادتي في مثل هذه الخناقات التي أعتبرها مقياسا لمعرفة التركيبات الشخصية والعقد النفسية والميول الاجرامية لدي البشر, اقتربت لألقي نظرة علي ما يحدث في هذه المعركة, فهالني ما رأيت, رجلان متعاركان لاغربة فيهما, فكلاهما ممسك في خناق الآخر, كلاهما يلوح بحزامة في الهواء مهوشا الآخر لم يكن هذا المشهد جديدا في شيء,فهذه هي الطبيعة الرجالية أحيانا في التعبير عن الغضب كل شيء يتم التعبير عنه من منظور العضلات, والغلبة لصاحب العضلات المفتولة أكثر, عادي يعني لكن ما لم يكن عاديا ابدا هو أن رجل الامن الواقف في وسطهما محاولا فض الاشتباك اللفظي الموشك بين لحظة وأخري علي التحول ليكون دمويا هو.. احم سيدة. نعم رجل الأمن كان سيدة اذن هذا هو مصدر الصوت الحريمي الرقيق النشاز وسط السباب واللعنات وقلة الأدب دققت النظر فيها, فتأكدت من صدق ما شعرت به انها تتمتع بكل ما يتمتع به رجل الأمن من قوة وسطوة وهيبة وكل ما تحتويه القائمة من صفات وسمات, لكن هناك اختلاف نعم هناك اختلاف فهي لم تهرع الي اهانة كل الطرفين بالضرب علي القفا, أو بالتهديد بالتنكيل والسلخ وغيرهما. لكنها أمرتهما بلهجة صارمة ونبرة قوية بأن بتوقفا عن العراك والا فإنها ستطبق القانون كما هو منصوص عليه في الكتاب. ولأنها كانت تعني ما تقول, ولأن الرجلين الأشوسين فهما تماما أنها تعني ما تقول, وأن ذلك ينطوي علي سين وجيم, وقضية ومحكمة والذي منه, فقد آثرا السلامة, وتوقفا عن حركاتهما الصبيانية, وفي لمح البصر, كانت الأحزمة قد عادت الي أماكنها الطبيعية فوق البطون. كما هدأ صياحهما, وخفت حدة الشتائم التي يعاقب عليها القانون, واكتفي كل طرف بنعت الآخر باسم حيوان أو ابنه, مثل الكلب والحمار. رئيس التحرير ومع هذا الزحف النسوي غير المسبوق علي مناحي الحياة في مصر, فقد وجدت نفسي أتوجه لزيارة عدد من المؤسسات الاعلامية والصحفية. فقد كنت أتوق الي مطالعة ما سيكتبه الزملاء من رؤساء تحرير الصحف القومية والمعارضة والخاصة والصفراء والحمراء, وجميعهم من الذكور كما جرت العادة. دخلت أول مؤسسة وطلبت مقابلة السيد رئيس التحرير, وكان لي ما أردت. دخلت المكتب لافاجأ بسيدة عظيمة من أفضل الصحفيات المصريات ومن أكثرهن كفاءة ورغبة في تجويد العمل والتحسين منه. سألتني عن سر مجيئي, فقلت لها أنني كنت أرغب في مقابلة رئيس التحرير لأعرف منه ان كان قد لاحظ المد النسوي الغريب الذي لاحظته, وان كان سيتخذ منه عنوانا رئيسيا في عدد الغد! سألتني أولا عن سبب اصراري علي أن يكون حديثي عن رئيس التحرير بصيغة المذكر. وجاءت اجابتي التلقائية: أمال يعني هيكون واحدة ست؟! ليه من امتي؟! لم تكتف الزميلة بنظرة نارية غاضبة وجهتها لي, ولكنها قالت وكأنها تحدث نفسها ولكن بصوت مسموع: مجنونة دي ولا شكلها كده؟! وحفاظا علي كرامتي, تظاهرت بأنني لم أسمع ما قالته, ووجدتها ترد علي استفساري الأصلي عن المد النسوي بقولها والله اذا كان هذا المد النسوي الذي تتحدثين عنه مصطعنا أو مزيفا, فهو غير مقبول تماما. أما اذا كانت المرأة قد اجتهدت وحصلت علي وظيفة ما أو مهنة معينة لأنها تستحقها, فلا يمكن أن نسمح لأحد أن يقول لها ثلث الثلاثة كام. عموما اذكري لي أمثلة عما رأيته, واعتبرته مدا نسويا. ذكرت لها مدام حنكورة سائقة الميكروباص, وكذلك الست الضابطة فنظرت لي بشء من الضيق, وسألتني بلهجة ساخرة جعلتني أشعر وكأنني قدمت لتوي من العصر الحجري: هو فيه ما يمنع من أن يشغلن مثل هذه المهن, ولا هتقولي برضه أصل الستات بتجيلهم الدورة الشهرية وما ينفعش يسوقوا ميكروباص أو يفضوا خناقة؟! تظاهرت بأنني مثلها تماما أسخر ممن يلقبون ما يحدث في شوارع القاهرة ب المد النسوي, وقلت لها: تخلف فعلا. الكلام ده هيرجعنا لورا200 سنة, زي أيام ما كانوا بيقولوا الست ما ينفعش تشتغل بالقضاء, وان قدراتها يا دوب علي قد البمية والملوخية! خرجت من مكتبة الزميلة التي اكتشفت أنها رئيسة التحرير وأنا أضرب أخماسا في أسداس. ولمحت بالصدفة بروفة الصفحة الاولي لليوم التالي, فأيقنت أن مدام حنكورة والست الضابطة ما هما الا مقدمة لقصة أكبر وأكثر اثارة. رئيسة الولاياتالمتحدةالأمريكيةتستقبل وزيرة خارجية مصر الحكومة الفلسطينية بقيادة الرئيسة لينا جهاد تعلن رفضها لبناء مزيد من المستوطنات حرس الحدود بطلا لكأس مصر وكابتن الفريق شريهان عبد السميع تتسلم الدرع المليارديرة المصرية تفيدة عبدالعال تطرح اسهمهما في البورصة الأمريكية للبيع وغيرها الكثير من الأخبار التي أكدت أن نون النسوة قد سيطرن علي الموقف تماما. ولدي خروجي من المؤسسة الصحفية وعلي الرصيف المقابل وجدت جمهرة من الرجال والشباب ممن رفعوا لافتات عليها عباراتالرجال نصف المجتمع وراعيني قيراط أراعيك قيراطين وأين حقوق الرجال يا مدعيات المساواة؟ هنا أفقت علي صوت أجش يا مدام يا مدام! اصحي يا مدام! مين بس اللي قال لكم تنزلوا من بيتوكم؟! انتوا مالكوش غير البمية والملوخية؟ لقد رحت في نوم عميق وأنا جالسة بالقرب من الأستاذ الفاضل حنكورة سائق الميكروباص, صاحب أكبر رصيد من الشتائم, وأعلي احراز يحققه عربي في الغرز والمقصات علي الطرقات, وراعي التحرش الأول في مصر. هنا انتهي حلم المد النسوي, وتساءلت: ماذا لو؟ حكمت النساء العالم؟! ووجدت أن الاجابة هي: مهما كانت النتائج, ستظل المحصلة النهائية افضل بكثير من حكم الرجال لها؟