فمؤسسة التعليم هي أولي المؤسسات النظامية التي تتعهد جميع أبناء الوطن متي بلغوا السادسة من أعمارهم, وبالتالي فهي أكثر مؤسسات المجتمع تأثيرا في اتجاهات المواطنين وقيمهم ومعارفهم إن التعليم الخاص يضم مدارس تدرس لابنائنا المصريين المناهج والمقررات الأجنبية التي أعدت للطلاب الانجليز والأمريكان والفرنسيين في بلادهم. علي الرغم من حالة الحراك السياسي الكبير الذي تشهده مصر هذه الأيام, ففي هذا العام بالذات سيتحدد مصير البلاد لفترة طويلة قادمة, فبعد انتخابات مجلس الشوري هناك انتخابات مجلس الشعب وبعدها انتخابات رئاسة الجمهورية, وقد انعكست أهمية هذه السنة في الاستعداد والحراك السياسي الكبير للقوي السياسية سواء كانت احزابا شرعية كالتجمع والوفد الذي شهد منذ أيام تجربة ديمقراطية يستحق عليها كل تحية واحترام, أو كانت قوي سياسية غير شرعية كالأخوان المسلمين أو قوي غير متبلورة بعد ككفاية والحركة المصرية للتغيير, فإن الأنباء قد أكدت أن الأقبال علي انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري كان اقبالا يتراوح بين المتوسط والضعيف. وطبعا هناك العديد من الأسباب المسئولة عن عزوف الشباب خصيصا عن المشاركة الوطنية بوجه عام والمشاركة السياسية بوجه خاص, وتعود تلك الأسباب الي موروثات تاريخية واجتماعية كما ان منها ما يتصل ببنية الأحزاب وطبيعة تركيبها الأبوي وغياب الديمقراطية داخلها, هذا بالأضافة الي سيطرة خطاب ديني متزمت راح يهيمن ويتوغل ويعلي من شأن الطقوس والشكليات علي حساب المعارك السياسية الحقيقية بالإضافة إلي مظاهر التمييز الطائفي والديني التي تعلي من شأن الهوية الدينية علي حساب الهوية والاختلاف السياسي, غير اننا نعتقد ان التعليم احد أهم أسباب هذا العزوف. فمؤسسة التعليم هي أولي المؤسسات النظامية التي تتعهد جميع أبناء الوطن متي بلغوا السادسة من أعمارهم, وبالتالي فهي أكثر مؤسسات المجتمع تأثيرا في اتجاهات المواطنين وقيمهم ومعارفهم وتحديد أطر علاقاتهم بمواطنيهم ومجتمعهم المحلي والوطني بل والانساني بوجه عام, ونظامهم السياسي ومن هنا فإنني اعتقد أنه لا اصلاح حقيقي في مجال من المجالات دون ان يأخذ في اعتباره النظام التعليمي والمدرسة ويضعها الموضع المناسب كركيزة الي اصلاح سياسي واقتصادي وثقافي خاصة ان تلك المنظومة التعليمية تضم أكثر من عشرين مليونا من أبناء الوطن بين معلمين وطلاب وهنا نلاحظ غيبة أي وعي أو إدراك لمشكلات المجتمع بل السلبية والاحباط وعدم الأهتمام هي ما يميز علاقة الطلاب بنظامنا السياسي ففي بحث أعده المركز القومي للبحوث التربوية كشف علي عجز ما يصل الي ثلث اعداد طلاب الثانوي عن ترتيب الوان العلم المصري ترتيبا صحيحا وجهل ما يصل إلي نصف إعداد الطلاب والطالبات عن معرفة سنة صدور الدستور الدائم او السن القانوني للمشاركة السياسية أو سنة حصول المرأة عي حق الانتخاب والترشيح كما كشف البحث نفسه عن رفض نسب كبيرة من الطلاب والطالبات للمشاركة السياسية أوي لعب أو دور سياسي في المستقبل بل إن ما يزيد عن ستين بالمائة منهم يري ان للعمل السياسي مخاطر كبيرة علي الفرد وتعجز نسب هائلة من الطلاب عن ذكر أسماء خمسة من الأحزاب المصرية أو خمسة من الصحف الحزبية وغيرها وهنا يصبح من حقنا ان نتساءل لماذا يصل نظامنا التعليمي الي ما وصل اليه من العجز عن غرس قيم المواطنة والمشاركة والاهتمام بالعمل العام وهو ما ينبغي ان يكون احد أهم أولويات الأصلاح السياسي إذا كنا حريصين علي أن يكون اصلاحا حقيقيا لا مجرد ترقيع لثوب مهلهل. وسوف نشير هنا الي أهم المظاهر التي تؤدي الي عجز نظام التعليم عن دعم وتعزيز الاصلاح السياسي. أولا: اختفاء الأسئلة والأهداف الكبري خلف نظام التعليم حيث اصبح للتعليم هدف وحيد هو الحصول علي الشهادة وحسب, أما نوعية الخريج وما يحمله من قيم واتجاهات وافكار ازاء العصر وما يطرحه من مشكلات تتعلق بالتطور والدستور والبرلمان والفن والثقافة والمرأة والاستعمار والعولمة وحرية المرأة وحرية الرأي والفكر والمعتقد والتنوع الثقافي والديني والعرقي والاختلاف بين البشر بوجه عام وحقوق الأنسان وغرها من قيم وأفكار اصبحت هي قيم العصر ولا يستطيع انسان ان يتصور الحياة في ذلك العصر بدون ادراك لتلك القيم والعمل في ظلها وفي ظل التفاعل معها. ثانيا: الازدواجية التعليمية البغيضة التي تقسم نظامنا التعليمي الي انواع مختلفة فهناك تعليم الفقراء الحكومي العام المجاني الذي لا يقدم كثيرا للطلاب سوي الشهادة في اخر المطاف وتحت ضغط الكثافة العالمية والتناحر في سبيل النجاح واستشراء ظاهرة الدروس الخصوصية لم يعد لدي المدرسة ما تقدمه في سبيل الوعي السياسي مناهج وانشطة وقضايا. وهناك التعليم الأزهري الذي الذي لا يقبل سوي ابناء المسلمين وأصبح نظاما تعليميا كاملا ومستقلا ومغلقا يدخله التلميذ المسلم من الحضانة الي نهاية التعليم الجامعي دون ان يصادف مواطنا أوتلميذا قبطيا في حياته التعليمية كلها رغم ان الأقباط معه في الأتوبيس والشارع والبيت وهو الأمر الذي يلقي بظلاله الكثيفة علي مفهوم المواطنة لدي ابنائنا من طلاب الأزهر. ثم هناك أخيرا التعليم الخاص ذو المصروفات بانواعه المختلفة العربي واللغات والأجنبي إذ إن التعليم الخاص يضم مدارس تدرس لابنائنا المصريين المناهج والمقررات الأجنبية التي أعدت للطلاب الانجليز والأمريكان والفرنسيين في بلادهم. ولا شك أن تلك الازدواجية تؤدي الي اضطراب في الاعداد للمواطنة والانتماء الوطني والذي ينبغي ان ينتلق من تقدير والمام بالتوارث والتاريخ الوطني واحترام الرموز الوطنية وهو ما لا تتفق فيه نظم التعليم المختلفة التي اشرنا اليها. ثالثا المناخ والمقررات الدراسية والتي تتميز بأنها تقدم عن الوطن كارت بوستال وكأنها تقدم صورة الوطن لسائح اجنبي لا ابن من ابنائه عليه واجبات تجاه وطنه ومشكلاته ودائما تقدم تلك المناهج نظامنا السياسي باعتباره نظامنا عظيما ناجحا وتجربتنا الديمقراطية رائدة وحكوماتنا جميعا رشيدة وخططنا التنموية ناجحة وبالتالي ليس امام الطلاب ما يقدموه لوطنهم, فقط عليهم أن يحمدو الله ان رزقهم هذا النظام وتلك الحكومات كما تخلو المناهج من الأشارة إلي المشكلات الخطيرة التي تعاني منها بلادنا كمشاكل التطرف والإرهاب والفقر والبطالة وعماله الأطفال وأطفال الشوارع وغيرها. رابعا: وأخيرا نسق التعليم فإذا ماتناولنا مفردات ذلك النسق سنجدها جميعا تدور حول: الحفظ, التذكر, التسميع, الألقاء, التلقين, النموذج والنموذجية, الطاعة, الاتجاه الوحيد للتقدم, الثواب والعقاب, رفض الاختلاف والمغايرة, وهي كلها مفردات تؤكد الروح البيروقراطية والعسكرية لنظامنا التعليمي وهي تتناقض بطبيعة الحال مع النسق الذي يدعم قيم الأختلاف والديمقراطية والحوار أي قيم النظام السياسي العصري. تلك هي بعض المشكلات التعليمية التي نراها ذات أولوية حقيقية إذا ما أردنا اصلاحا سياسيا حقيقيا وأعتقد أن عدم الاهتمام بالاصلاح التعليمي علي أسس ديمقراطية لن تجهض محاولاتنا في الإصلاح فحسب ولكنها ستجعلنا نقف محلك سر والعالم كله يتقدم إلي الأمام. [email protected]