افتتاح أي مدرسة جديدة يمثل فرحة طاغية لكل من يؤمن بأن التعليم هو حجر الزاوية لأي نهضة مجتمعية ويزيد من مشاعر الفرحة إذا كانت هذه المدرسة مجانية بدون مصروفات. ولكن هذه المشاعر تلاشت واختفت وأنا أستمع بالصوت والصورة لتصريحات وزير التربية والتعليم علي رأس حشد كبير من الوزراء والمسئولين في الافتتاح الذي تم الأسبوع الماضي لأول مدرسة مجانية تدرس التعليم الأمريكي، ومبعث الدهشة والاستغراب الشديد ليس الاعتراض بالتأكيد علي مشاركة مجموعة عامر في إنشاء المدارس بالمجان لأن هذا يمثل اتجاهاً محموداً للمشاركة المجتمعية في النهوض بالتعليم، وكذلك ليس الاعتراف بالتأكيد علي اختيار نظام التعليم الأمريكي، فهو حتي وإن كان مثيراً للجدل داخل موطن أمريكا أو حتي داخل مصر باعتباره ليس أفضل النظم التعليمية في العالم، ولكن الدهشة من وجود وزير التربية والتعليم بنفسه علي رأي هذا المشهد الاحتفالي، لأن وزير التربية والتعليم لا يمثل نفسه أو أسرته ولكنه يمثل المؤسسة التعليمية المصرية الرسمية ورمزاً لها، يزيد علي ذلك أن مباركته وإشادته بمثل هذه النماذج التعليمية الأجنبية ومباركته لها، تعني اعترافاً ضمنياً وعلنياً أيضاً بفشل تجربة التعليم الحكومي الرسمي، خاصة فيما يتعلق بمنظومة المناهج والامتحانات بل وحتي نظم التدريس لدينا «المدرسة الجديدة استوردت مدرسات أجانب علي أعلي قدر من التأهيل العلمي بل والجمال أيضاً». والسؤال: ألم يفكر وزير التربية والتعليم في الباقي من تلاميذ مصر وهو المسئول عنهم دستورياً وعن مصيرهم وهم يشاهدون ويسمعون عن مدي جودة هذه المدرسة ومناهجها ونظافتها، أليس من حق هؤلاء التلاميذ أيضاً والبالغ عددهم أكثر من 17 مليون تلميذ في تعليم جيد ومحترم، يعبر بأطفالنا إلي حدود المنافسة والتفكير والابتكار، وإذا كان الوضع كذلك وهي أنها أول مرة نساهم في بناء مدرسة أمريكية بالمجان، فلماذا لا تمتد الخطوة لنستورد نظاماً تعليمياً أجنبياً؟ علي الأقل هو نظام ناجح وسبق تجربته قبل ذلك وفي المقابل سوف يريح هذا النظام الأسرة بل وحتي كبار مسئولينا من عناء المعارك الحربية التي نعيشها يومياً وعلي رأسها كتاب مدرسة متهالك مليء بالأخطاء والركاكة، ونقص المعلومات الصحيحة ولا يساعد لا علي التفكير أو حتي الإبداع، ومثله كتاب خارجي أصبح من الممنوعات ومدرسون ومدرسات عابثون كارهون لأحوالهم الحياتية. يضاف إلي ذلك أيضاً أن الحجة التي تقال أو تبرر وجود وزير التربية والتعليم علي رأس المشهد الافتتاحي من أن ذلك في صالح المجانية والفقراء.. هي مقولة ليس لها محل من الإعراب، نعم من حق فقراء مصر بل وجميع مواطني مصر في التعليم الجيد ولكن نحن نتكلم عن الإتاحة للجميع وليست لعدد قليل فقط من الطلاب واستخدام تعبير المجانية هنا وتبريره ليس في مكانه الصحيح تماماً، كما نريد. والأغرب أننا قد نتفهم ونستوعب دوافع المجتمع المدني ورجال الأعمال في دعم إنشاء المدارس الأجنبية وتدريس مناهجها، لأنها في النهاية سوف توفر لهم علي المدي البعيد.. أيادي عاملة مدربة تساعدهم في نمو اقتصاد السوق، ولكن ما لا أتفهمه هو موقف وزارة التربية والتعليم وهي التي تصدعنا ليل نهار عن وقف تصاريح العمل لإنشاء مدارس ومناهج أجنبية وأن لا تدخل للوزارة فيها فكيف حصلت إذن هذه المدرسة علي تصريح بدء العمل والموافقة علي نظامها ومناهجها التعليمية؟ للحقيقة أن هذه ليست الخطوة الأولي في اعتماد المناهج الأجنبية في المدارس التي تدعمها الحكومة، فهناك مشروع آخر يحمل اسم مدارس النيل تبدأ الدراسة به هذا الأسبوع أيضاً اختار هذا المشروع المناهج الإنجليزية، التي تعتمدها كمبردج البريطانية للتدريس للطلاب.. ولا أعلم إذا كان وزير التربية والتعليم سوف يحضر افتتاحها أيضاً أم لا؟ وبالتالي فإن أي حديث عن تطوير العملية التعليمية وتحديثها ومحاربة الفساد فيها.. أصبح في خبر كان إذا كان المثال هو في دعم النموذج الأمريكي والبريطاني والفرنسي وهم الأجود بالفعل.. وبالتالي لا عزاء للتعليم الجيد وفقراء مصر فيما سوف يحدث مستقبلاً في العملية التعليمية.