ظلت الاذاعة المصرية منذ انطلاقها صاحبة الدور الاكبر في احتضان المثقفين, ونشر الوعي, وصاحبة الدور التنويري, ومنفذ الكتاب لنشر افكارهم, وكان منهم عدد من كبار الشعراء والمفكرين, قابلنا بعضهم لنعرف علاقتهم بالاذاعة وما إذا كانت مازالت قائمة. في البداية قال الإذاعي الكبير فهمي عمر ان الاذاعة منذ النشأة هي الأنيس والجليس الذي يبث العلم والثقافة والأدب, وهي التي احتضنت وعلمت الجميع, خاصا الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب, وكان لها دورها المهم لما قدمته من برامج هادفة لم تكن موجودة من قبل مثل الفنون الغنائية, والدراما, والبرامج الحوارية, وبرامج المرأة, كما نقلت الخبر من كل انحاء العالم, وجعلته كقرية صغيرة اضافة إلي أنها اشعلت وفجرت المشاعر الوطنية تجاه المحتل حتي رحل عن أرض الوطن وكانت تشعل الهمم وتقوي العزائم ضد المستعمر, كما نشرت مبادئ الثورة في كل انحاء مصر واتصور أنها ستظل شامخة ولن تستطيع وسائل إعلامية أخري سحب البساط من تحت اقدامها وعن دورها الأن قال مازال دورها كبيرا ومؤثرا, ولكنها في حاجة فقط لمد يد العون لها لتستعيد بريقها بإعطائها ما تستحق من امكانيات وخاصة الإذاعات الاقليمية لأنها القاطرة التي تقود الحراك كله من تنمية شاملة لمصر. واضاف الشاعر عبد الرحمن الأبنودي: جيلي علي صلة حميمة بالراديو علي الرغم من اختلافه تماما الآن الأن تقدم البرامج بشكل مختلف يصعب علينا التلاحم معه ولكن مازلنا نعشقها وتساءل الأبنودي لماذا اختفت كل الأغنيات التي تشكل جزءا كبيرا من ماضينا, لقد اختفت اغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ووردة ونجاة ونجاح سلام وفايزة احمد لدرجة جعلتني أظن ان ذلك تم بنوع من القرار السياسي كما اختفت الدراما الإذاعية كأنها انقرضت وامتلأ الراديو بمذيعين يتحاورون مع بعضهم. ويقول الدكتور عبد المنعم تليمة نعلم جيدا أن الإذاعة هي أهم مخترعات القرن الحديث هي بالغة الأهمية والخطورة وقد بدأت لدينا في مصر بداية أهلية وكانت هي النواة الأولي التي عرفتنا بعبد الوهاب وأم كلثوم وصالح عبد الحي وغيرهم وفي عام1934 بدأت الحكومة المصرية في انشاء الإذاعة المصرية وكانت الادارة المصرية سببا في نقلتها نقلة كبيرة, وكان المسئول عنها شخصا يحمل ثقافة عالية ويجمع حوله كبار الموسيقيين والفنانين الذين اتوا من اوروبا وقد بدأ اتصالي بها كمستمع في الاربعينيات وكنا ننتظر كل خميس لنستمع الي حديث الدكتور طه حسين ويوم السبت من كل اسبوع لنستمع الي حديث عباس محمود العقاد وكنا ننتظر برنامج عوف الأصيل وخوفو والف ليلة وليلة وظلت الاذاعة المصرية الي عام1960 هي الاداة التنويرية الاساسية بمصر لشعب اكثره لا يعرف القراءة والكتابة وعن اختلاف دورها الان قال تليمة لاشك انها تراجعت في اتجاه عكسي مما كانت عليه فالمسئولون عن برامج الغناء مثلا لا صلة لهم بالتذوق الغنائي, ولا يعرفون من هم كبار الموسيقيين والمؤلفين ولا يعرفون الفرق بين بيرم التونسي وأحمد رامي وللاسف الشديد الاذاعة جنحت وبشدة ناحية التردي لانها خلت من اصوات المثقفين الكبار. الموسيقار حلمي بكر يري ان كثرة الفضائيات خلقت نوعا من الهوس وهي التي اعطت فرصة لبعض المحطات الاذاعية الشاطرة مثل الشباب والرياضة والاغاني واخبار مصر والشرق الاوسط بأن تلتقي بالجمهور من خلال البرامج الفلاشية القصيرة ولعبة الجذب. الراديو جهاز خطير اما الشاعر محمد إبراهيم ابو سنة فيروي ذكرياته عن الإذاعة ويقول لا احد ينكر ان الراديو جهاز خطير وكان له تأثير شديد الخطورة بالوعي السياسي والاقتصادي والفكري في الخمسينيات, وهذا لانها استطاعت ان تنقل رسالة النظام وثورة23 يوليو الي الجماهير العريضة وفتحت نوافذ واسعة علي المجتمع الحديث, واستطاعت ببرامجها ونجومها ان تمثل قاعدة الاعلام المصري. وعن علاقة المواطنين بالإذاعة قال التف الناس حول الراديو وقت حرب67 ولكنها ظهرت ضعيفة لان الناس حملوا الاعلام مسئولية عدم المصداقية, ففقدوا الثقة بها خلال تلك الفترة, ولكن بعدها اهتم الرأي العام بها مرة أخري عند النصر في73 والعبور لان الوجه الاعلامي في تلك الفترة كان اقرب الي الموضوعية. وعن علاقة المثقفين بالإذاعة قال ابو سنة في الخمسينيات نشأت محطة البرنامج الثاني المسماة الان الإذاعة الثقافية التي كانت فرحة غامرة للمثقفين, فالتف حولها الجميع واعتقد ان العاملين بها الان يقومون بجهد كبير للتطوير وخلق برامج تليق بالمثقفين والمستمعين بشكل عام. ولكن لنا مطالب مثل تقوية ذبذبة اذاعة البرنامج الثقافي وزيادة مدة ارسالها كذلك النظر وباهتمام الي المكافأة التي تقدم للمتعاملين مع هذه المحطة لأنها تتعامل مع صفوة المجتمع من اساتذة واطباء.