الطبقة السياسية المصرية تنضج بعد سنوات من المراهقة الطويلة. هذا هو ما يمكن استخلاصه من الانتخابات التي نظمها حزب الوفد لاختيار رئيس له هذه هي المرة الأولي في تاريخ حزب الوفد العريق التي يتم فيها اختيار رئيس الحزب بالانتخاب. قبل23 يوليو كانت هناك الزعامة التاريخية لسعد زغلول ثم مصطفي النحاس, أما بعد عودة الوفد فقد كان هناك أولا الزعامة التاريخية القادمة من عالم ما قبل1952 لفؤاد سراج الدين, ثم قيادة الدكتور نعمان جمعة الذي انتقلت له رئاسة الوفد بسلاسة بعد وفاة فؤاد باشا, فيما يشبه طريقة انتقال السلطة من الرئيس الراحل لنائبه التي رسخها نظام يوليو. أزمة رئاسة الوفد وأكثر لحظات تاريخه الحديث صعوبة كانت عندما قاوم الدكتور نعمان مطالبة أعضاء حزبه له بالرحيل, فاشتبك أبناء الوفد في صراع جري فيه إطلاق الرصاص, وتعرض مقر الحزب لخطر الحريق, ناهيك عن العراك والاشتباك بالأيدي. كان هذا منذ أربع سنوات عندما تم انتخاب الدكتور محمود أباظة لرئاسة حزب الوفد, ومع انتهاء فترة رئاسة الدكتور أباظة كان بين الوفديين من يطمح للرئاسة, وكان بين قواعد الحزب تململ من طريقة الدكتور أباظة في القيادة. نجح محمود أباظة في استعادة الحياة الحزبية السليمة لمؤسسات الحزب, والدليل هو الانتخابات التي خسرها قبل يومين, لكنه لم ينجح في إعادة الحزب للجماهير وإعادة الجماهير للحزب كما وعد وكما يطمح الوفديون. لم يتعارك الوفديون لحسم الخلاف حول قيادة الحزب, لكنهم نظموا انتخابات في موعدها الطبيعي المقرر سلفا. فاز الدكتور السيد البدوي بمنصب رئيس الوفد. أجمل ما في هذه المنافسة هو أنها جرت بين قيادتين لا يمكنك سوي أن تحترمهما لعلمهما واستقامتهما والتزامهما. مبروك للوفد رئيسه الجديد, ومبروك عليه أيضا رئيسه السابق الذي أتمني أن يبقي بين الصفوف نشطا وفاعلا. الأنظار كلها تتطلع إلي الوفد لتري كيف ستسير الأمور بين أنصار أباظة وأنصار البدوي. إذا لم يفسح وفد البدوي مكانا لجناح رئيس الوفد السابق فسوف تكون انتخابات أول أمس آخر الانتخابات, ولن تقوم للوفد بعدها قيامة. إذا حافظ الوفديون علي وحدتهم فستكون انتخابات الوفد الأخيرة ميلادا جديدا للحزب العريق. في انتخابات الوفد ونتيجتها علامة جديدة علي نضج الطبقة السياسية المصرية, وفي الحفاظ علي وحدة الحزب بعد الانتخابات دليل جديد علي أن ما يجري في مصر من تطور وإصلاح ليس مجرد حمل كاذب.