قال الكاتب محمد السكران: إن الثقافة المصرية القومية تتميز بأنها ثقافة إنسانية أصيلة شاملة لكل المظاهر المادية والروحية؛ ثقافة تقوم على الوسطية والاعتدال، وفيها يحتل الدين موقعه، إن لم يكن هو المقوم الأساسي للشخصية القومية، فمصر كما أنها وادي النيل، هي أيضًا وادي الدين. وأضاف خلال الجلسة الثانية من مؤتمر اتحاد كتاب مصر بعنوان"التربية والثقافة القومية": إن الثقافة المصرية ذات عراقة تاريخية قادرة على تمثل الثقافات الأخرى دون تصادم ودون إذابة أو ذوبان، ومن ثم لم تكن مصادفة أن قويت المسيحية في كنف الإسكندرية قبل أن تعبر المتوسط، وأن يزدهر الإسلام في القاهرة قبل أن ينطلق إلى إفريقيا وآسيا، ولم تكن مصادفة أيضًا أن كانت مصر البلد الأمين، البادئ بعقيدة التوحيد والمصدرة للأديان لكل من حولها، ومستقرها، ففي داخلها نسخ كل دين سابقه دون أن يطمس بقاياه، فبقيت اليهودية والمسيحية بنسب ودرجات متفاوتة حتى بعد دخول الإسلام الذي بات دين الأغلبية، وأحد أهم مقومات الشخصية المصرية، والذي عايش وتعايش مع الأديان الأخرى من خلال التسامح الديني، الذي به تتميز هذه الشخصية وجعلها تقبل على كل الأديان دون انغلاق أو تحجر ومن ثم لم تكن مسيحية مصر تمسحًا ولا إسلامها استسلاما، وإنما هو التسامح الديني الذي كان له الفضل في تجنب مصر الأخطار والويلات". واستكمل:لم تعرف مصر يومًا التعصب أو الحروب الدينية، أو المذابح الطائفية، ولم تعرف يومًا انحرافًا وتطرفًا، إنما هي الاعتدال بطبعها وطابعها، وما عد ذاك هو الشاذ والنشاز" . وأوضح السكران أنه هناك العديد من التحديات والأخطار التي تواجه الثقافة القومية منها الوافد من الخارج، ومنها النابع من الداخل، فبالنسبة للتحديات والأخطار الوافدة من الخارج فتتمثل في عملية الاختراق الثقافي الذي تقوم بها قوى الهيمنة والاستكبار ، وفق استراتيجية محكمة، لا تستهدف فقط الهيمنة الثقافية، وإنما أيضًا الهيمنة السياسية والاقتصادية. وهذا ما تتعرض له بالفعل الأمة العربية، ودول الجنوب بصفة عامة. أما بالنسبة للتحديات والأخطار النابعة من الداخل ، يشير السكران إلى أن مقوم الدين بعامة والإسلام بخاصة قد انحرف بقيمه الدينية، وبإسلامه، وبدت على السطح مظاهر التعصب، وبدلًا من أن تسود قيم الصوفية في العمل سادت قيم "الكلفتة والفهلوة"، وبدلًا من أن يتحول الدين إلى طاقة دافعة للعمل وبذل الجهد تحول على يد البعض إلى أداة للتخويف والإرهاب، وتحول الدين في الكثير من الأحيان إلى خادم للسياسة يعمل كما تريد لا كما يريد الدين، وتحول على يد البعض إلى وسيلة للكسب المادي والمتاجرة باسمه وإلى أداة للقهر والإرهاب. إضافة الغياب الواضح لثقافة المواطنة ليس فقط في الحياة العامة وإنما هو الأشد خطورة في مناهج التعليم بكافة مراحله ومستوياته، وغياب الاهتمام بالقضايا المجتمعية الأساسية، وفي القلب منها قضايا العدل والمساواة بين جميع أبناء الوطن بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى: دينية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية. مضيفًا: لا يقف الأمر عند حد المناهج الدراسية، وإنما يمتد إلى الممارسة والتطبيق، وخير مثال ما يحدث داخل المؤسسات التعليمية من تفرقة بين المعلمين والمتعلمين دون مبرر موضوعي، وإنما لأسباب وظروف في معظمها دينية وسياسية واقتصادية وثقافية . وأيضاً شيوع ظاهرة " المدارس الدينية" التي تكرس ثقافة الفتنة الطائفية، وتزايد المدارس الأجنبية التي تعد اختراقًا ثقافيًا لمقومات الهوية القومية وتشكل تهديدًا خطيرًا للمواطنة. كما آثر الغياب الواضح لمفاهيم ومبادئ "حقوق الإنسان" في مجمل الحياة المصرية وفي مناهج التعليم المصري بصفة خاصة، بالرغم من تضمن المقررات الدراسية لبعض جوانب حقوق الإنسان، إلا أن ما يتم طرحه من هذه الحقوق لا يتناسب وما ينبغي أن تكون عليه في مختلف المجالات الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية . كما يأتي تناول هذه الحقوق ومعالجتها بطريقة شكلية وبأسلوب خطابي تلقيني، كما أنه في الكتب الدينية على وجه الخصوص، يتم التناول المقتضب لحقوق الإنسان ، وما يتم طرحه منها يخضع لاختيارات المؤلف، ودون ربطها بالنصوص الدينية، غير أن الأخطر من هذا وذاك، هو أن التناول يقوم على تأكيد تميز هذا الدين على غيره، لا وفقًا للنصوص الدينية وإنما وفقًا لهوى وتفسير القائم بتأليف هذه الكتب أو بتدريسها، مسلمًا كان أم مسيحيًا. وأيضًا وفي معظم المقررات الدراسية وفي مختلف المراحل التعليمية يغلب الطابع الذكوري ، فنادرًا ما تشارك المرأة في التأليف، أو في نوعية الحقوق، حيث يتم تأكيد حقوق الرجل، وإهمال حقوق المرأة حتى في لغة المخاطبين، ومن يوجه إليهم الخطاب، فدائمًا ما يكون هذا الخطاب بلغة المذكر، بل وعند عرض بعض الشخصيات التاريخية فالغلبة فيها للشخصيات الذكورية. وأكد السكران أنه لا خلاص لنا من هذا الواقع المأزوم إلا بالمراجعة النقدية للمناهج الدراسية، وغرس ثقافة المواطنة داخل هذه المؤسسات، وفي كل المنظومات : فلسفة وأهدافًا، مناهجًا ومحتوى، أساليب وطرائق، معلمين ومتعلمين وإدارة. إلى آخر هذه الأمور التي يمكن أن تساعد على توافر مناخ تعليمي يعمق مفهوم المواطنة.. مبادئً وثقافة.