حكم القضاء الجزائري اليوم الثلاثاء بالسجن ستة أشهر بينها ثلاثة مع النفاذ على الداعية السلفي عبد الفتاح زراوي حمداش الذي طالب بإعدام الصحفي والكاتب الروائى كامل داود بتهمة "الكفر"، في قرار قضائي غير مسبوق. ووصف أقارب لداود الذي لم يشأ التصريح، ردا على سؤال لوكالة فرانس برس، حكم المحكمة بال"قرار الشجاع". كما حكمت محكمة الجنح في وهران على زواوي بدفع غرامة قدرها 50 الف دينار (450 يورو). وتقدم داود بشكوى "تهديد بالقتل" ضد زراوي الذي يقود حركة "الصحوة الحرة الإسلامية السلفية" غير المعترف بها رسميا، والذي دعا على صفحته على موقع فيسبوك على الإنترنت، السلطات الجزائرية إلى الحكم بالاعدام على داود وتنفيذ الحكم فيه علنا. وجاءت دعوة زراوي هذه بعدما انتقد داود في برنامج تليفزيوني فرنسي علاقة المسلمين بديانتهم. ورأى زراوي الذي يطالب بمنع المشروبات الكحولية ولباس البحر، أن داود يشن "حربا فاجرة ضد الله والرسول ومقدسات المسلمين وأبنائهم وبلادهم"، كما اتهمه بالكفر. وأصر الداعية أمام محكمة وهران عندما مثل وحده في الأول من مارس على أقواله. ونقل أقارب داود عنه قوله إن قرار المحكمة "يجب أن يرضي جميع المدافعين عن حرية التعبير"، لأنه يحدد ما هو مسموح به وما هو ممنوع في النقاش الإيديولوجي. ويرى داود، بحسب أقاربه، أن العقوبة التي فرضت على الداعية السلفي "لا يمكن فرضها في بلدان إسلامية أخرى مثل اليمن أو مصر". وقال المحامي خالد بورايو الذي دافع عن عدد كبير من الصحفيين منذ 20 عاما إن الحكم في حق الداعية السلفي "غير مسبوق". ورحبت النقابة الوطنية للصحفيين بالحكم ورأت فيه "قرارا ممتازا"، على الرغم من أنها كانت ترغب بأن يكون "أكثر قسوة". وفي فبراير، أعلن وقف عمله في الصحافة والتفرغ للكتابة بعدما اتهمته مجموعة من الجامعيين "بتغذية أفكار تعزز الخوف من الإسلام". وبحسب بى بى سى فقد فاز داود بجائزة "جونكور" للرواية الأولى لعام 2015 عن روايته "ميرسو تحقيق مضاد"، التي استلهمها من رواية "الغريب" للكاتب الفرنسي ألبير كامو الحائز على جائزة نوبل للأدب. وعمل داود صحفيا مستقلا بعدد من الصحف، ولذا اكتسب أعداء وأصدقاء كثرا على مدار السنوات بسبب المقالات التي ينتقد فيها الأوضاع في بلده. لكن داود، الذي ولد في 17 يونيو 1970، أعلن نيته التوقف عن الكتابة الصحفية والتركيز على التأليف الروائي، بسبب رد الفعل الغاضب على مقال كتبه بصحيفة لوموند الفرنسية بشأن أحداث شهدتها مدينة كولونيا الألمانية عشية العام الجديد. تضمن المقال، الذي حمل عنوان "كولونيا مدينة الأوهام"، هجوما مزدوجا على أفكار أثارتها عمليات التحرش الجماعي بنساء في المدينة الألمانية. انتقد داود "الوهم" اليميني المتطرف، الذي يعامل كل المهاجرين على أنهم مغتصبون محتملون. لكن الجزء الأكبر من غضبه انصب على اليسار السياسي "الساذج" الذي تجاهل عمدا، في رأيه، الفجوة الثقافية التي تفصل العالم الإسلامي-العربي عن أوروبا. ولذا، حسب داود، فإن أوروبا ترحب بالمهاجرين الذين يملكون تأشيرات ومقومات مادية، لكن من دون التعامل مع أمر مهم، وهو عالم القيم. ويقول داود إن ما تبدى في كولونيا هو كيف أن الجنس يمثل "البؤس الأكبر في بلاد الله". وتساءل: "هل اللاجئ همجي"؟ (الإجابة) لا. لكنه مختلف، ومنحه أوراق ومسكن ليس كافيا، إذ لا يحتاج فقط الجسد المادي إلى اللجوء، بل تحتاج الروح إلى الاقتناع بالتغيير". وأضاف: "هذا الآخر (المهاجر) جاء من عالم واسع أليم ومروع ، وهو عالم عربي إسلامي زاخر بالبؤس الجنسي، بعلاقته المريضة تجاه المرأة والجسد الإنساني والرغبة. مجرد استقباله ليس كافيا". وفي مقال رأي نشر أيضا في لوموند الفرنسية، شنت مجموعة من المثقفين والأكاديميين هجوما لاذعا على داود الذي اتهموه ب"تغذية أوهام معادية للإسلام تعتقد بها شريحة متنامية من السكان الأوروبيين". وقالوا إن داود بنى حجته على تحليل "ثقافي" يفتقر للمصداقية. وبصيغة أخرى، فإنه جعل من الثقافة العربية الإسلامية العنصر المحدد في سلوك الأفراد. والأسوأ، فإن دعوته لتعليم المهاجرين القيم الغربية تعتبر شكلا من "إعادة التربية". واعتبروا أن "المشروع برمته مخز، ولا يعود ذلك فقط إلى تضمنه هراء قديم بشأن دور الغرب في نشر الحضارة وقيمه السامية". وأضافوا أنه "علاوة على الأبوية الاستعمارية المعتادة...يقول (داود) فعليا إن الثقافة المنحرفة لهذا الجمع من المسلمين خطر على أوروبا". لكن الأسوأ بالنسبة إلى داود أن الخلاف انتشر بعد ذلك إلى الولاياتالمتحدة. ففي العام الماضي كتب آدم شاتز، وهو صحفي ليبرالي بارز، نبذة مطولة لمدح داود في صحيفة نيويورك تايمز. وقال شاتز في خطاب مفتوح: "من الصعب جدا بالنسبة لي تصديق ما كتبته. ليس هذا كمال داود الذي أعرفه". لقد أقلق شاتز - كما حدث مع المثقفين الرابط الذي خطه داود بين الأحداث في كولونيا والإسلام. وقال شاتز: "قبل أعوام قليلة رأينا أحداثا مماثلة في مهرجان بورتوريكو الوطني في نيويورك، واعتدي جنسيا على عدد كبير من النساء. لكن المعتدين لم يكونوا تحت تأثير الإسلام، بل الكحول". ورفض شاتز فكرة أن الجنس في العالم العربي "بؤس" بشكل عام، وفزع بسبب الإيحاء بأن ميول المهاجرين تجاه الجنس والنساء "مرض" يحتاج إلى "علاج.