في حوار مع "الأهرام المسائي" تحدث ضياء رشوان نقيب الصحفيين الأسبق، عن قوانين الإعلام، وأسباب تأخيرها، كما عرض رؤيته للمشهد الإعلامي، وعن التشريعات المتوقع صدورها لضبطه.. وقال: إن الكاتب مكرم محمد أحمد يكاد يكون هو الوحيد الذى يعارض مشروعات القوانين التى تم إعدادها لتنظيم الإعلام.. وقال فى الحوار الذى أجرته منال عبيد: أنا على استعداد لمناظرته حول هذه القوانين، كما انتقد بعض الإعلاميين الذين يدعون تقربهم من الرئيس، مطالبا الرئاسة بالتبرؤ من هؤلاء. وفيما يلى نص الحوار السؤال الأكثر إلحاحا في هذا التوقيت هو عن المشهد الإعلامي هل تتابعه؟ وما تقييمك له؟ بالطبع أتابعه بشكل جيد، وأحرص علي مشاهدة الجميع بلا استثناء، وعندي مثال للمشهد الإعلامي لا أخفيكي أنني طرحته علي مسئولين كبار في الدولة عندما كنا نناقش المشهد، وكانت لهم انتقادات عليه وهم محقون تماما فيها، وهو أنني أشبه حالة الإعلام بحالة المرور في مصر! كلاهما بلا إشارات ولا التزام بقواعد ولا مراعاة لمن حولك ولا ضوابط ولا قانون يطبق.. ففوضي الإعلام، شبيهة بفوضي المرور، والإثنان لا يحتاجان فقط إلي تشريعات، لكن أيضا إلي قيم أخلاقية وإلي ثقافة تحترم الموازنة بين الحرية والمسؤلية وحق الغير. لذلك أقول، عندما ينضبط المرور في مصر سينضبط الإعلام، وهما يحتاجان وقتا طويلا، لأن المهمة صعبة خاصة في الإعلام، لأن تشريعاته الحالية قديمة وبعض قوانينه التي مازال يتم العمل بها تعود إلي عام1923 دون تغيير أو تحديث لما طرأ علي الإعلام، مثل الإعلام الإلكتروني ولا الإعلام المرئي الخاص. أتفهم هذا الربط، لكن كيف تفسر أن حالة المرور كانت في أسوأ أحوالها في الثمانينيات والتسعينيات وحتي نهاية القرن الماضي، بينما كان الإعلام وقتها منضبطا جدا؟ صحيح أنه كان منضبطا في ذلك الوقت، لكن ذلك لأنه كان يخضع لسيطرة الجهات الأمنية، فلم تكن هناك فوضي إعلامية، لكن بحلول عام2005 بدأ الإعلام المكتوب في التمرد، وبدأ يخرج عن المسار الموحد المرسوم له، وبدأ المصريون يشعرون بقوة الإعلام في السنوات الأخيرة من حكم مبارك، وبعد ثورة يناير كان من الطبيعي أن يواصل دوره لأنه حل محل القوي السياسية الغائبة أو المتهالكة، وأصبحت القوي الاجتماعية والفكرية بديلا لها ورأينا لأول مرة في مصر برنامجا تليفزيونيا يقيل حكومة، مثلما حدث مع أحمد شفيق، واستمر الدور في التوجيه والحشد ووصل لأوجه في30 يونيو. هل كنت تري قوة الإعلام شيئا إيجابيا وقتها؟ لم يكن أحد يستطيع تقييم المشهد وقتها، أو أن يدرك خطورة ما يحدث لأنه يحول الإعلام إلي حزب أو إلي قوة سياسية، واستمر الإعلام حتي الآن يلعب أدوارا غير أدواره، ليكتسب بعض أفراده ومؤسساته قوة غير طبيعية لا يوجد مثيل لها في أي إعلام في دول العالم، وتشكلت مصالح ومراكز قوي لمؤسسات وأفراد كلمتهم مسموعة لدي المسئولين، ولدي المواطنين في الشارع، وأصبح المواطن يلجأ إلي الإعلام لحل مشكلته بدلا من التوجه بها إلي الجهات المختصة، لأنه يعلم أن الإعلام هو الأقوي والأسرع، وارتبط بتلك القوة جذب لاستثمارات هائلة ليست مادية فقط ، لكن أيضا لآلاف العاملين الذين جذبهم المجال فتدفقوا إليه بدون خبرة حقيقية أو تدريب، مما أدي لهذا الحجم من المبالغات والتجاوزات شديدة السلبية التي قد توصف بأوصاف قاسية. قد يعتبر البعض شهادتك مجروحة لأنك واحد من الصحفيين الذين اتجهوا لتقديم البرامج؟! في كل العالم يندرج العمل الإعلامي تحت كلمة "جورناليست" صحفي، فالصحفي هو من يقدم عملا إعلاميا أيا كان نوعه أو شكله، حتي لو كان تقديم برنامج، وفي كل وكالات الأنباء في العالم لا يوجد مقابل لكلمة إعلامي، وفي مصر بدأ الإعلام بالصحافة ثم ظهر الإعلام المرئي في الستينيات، وكان ينبغي وقتها الجمع بينهما تحت مسمي واحد، لكن ذلك لم يحدث في حينها، وتم الفصل بينهما لعقود طويلة، ترتب عليها نشوء أفرع لكل منهما، لذلك فات أوان الجمع بينهما، وأصبح من الأسلم أن تكون لكل منهما نقابة. إذن أين تكمن مشكلة الإعلاميين من وجهة نظرك، إذا لم تكن في عدم التخصص؟ المشكلة المهنية الكبري التي رصدتها هي عدم اهتمام الأغلبية الساحقة من مقدمي البرامج بإعداد أنفسهم لما سيقدمونه أو سيتحدثون عنه، فلا يقدمون للمشاهد معلومة بموضوعية لأنهم لم يبذلوا جهدا في تجهيز أنفسهم، فتجدين مذيعا يتحدث عن سد النهضة، وهو لا يعلم أساسا ما هي حدود إثيوبيا، ولا كلف نفسه بالقراءة عنها قبل أن يخرج إلي المشاهد، هذا الكلام ينطبق أيضا علي الضيوف الذين تتم استضافتهم في البرامج فيأتون دون إعداد مسبق. ألم تشارك الرئاسة أيضا فيما وصلت إليه حالة الإعلام، بحرصها علي إحاطة نفسها بقلة قليلة من الإعلاميين لا تتغير؟ أؤكد لك أن الرئاسة ليست طرفا في دعوة أحد لأي حدث، ومن المعروف أنه أثناء سفريات الرئيس تلتزم الرئاسة بالحياد التام فلا تدعو أحدا ولا تمنع أحدا، والإعلاميون جميعا يسافرون علي نفقة مؤسساتهم، فالرئاسة ليست مسئولة عن أن المؤسسات القومية تنتدب رؤساء تحريرها ومحرريها للسفر بالدور دون أي اعتبار للتخصص وللفائدة، فقد يرسلون متخصصا في الشأن الإفريقي مع الرئيس في رحلته لأوروبا لمجرد الدور! لكن في نفس الوقت، ينبغي للرئاسة أن تنفي ما يدعيه بعض الإعلاميين من قربهم للرئيس، أو انتسابهم للرئاسة أو التحدث باسمها حتي لا تترك فرصة لتأكيد تلك الانطباعات، وهي تملك الأدوات لذلك مثل إصدار بيانات نفي رسمية، أو عقد لقاءات أخري تدعو لها مجموعات أخري غير المدعين. ما الحل الذي تراه للحد من الفوضي الإعلامية؟ الحل بدأناه بالفعل في منتصف عام2014 ، حينما عكفت اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية مئات من الساعات لإنتاج تشريع جديد هو القانون الموحد للإعلام، يتماشي مع الدستور ويواكب المستحدثات ويحترم الحريات العامة، من خلال تشكيل ثلاث هيئات هي المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام، وهو لا يملك ولا يدير وكل وظيفته هي ضبط الأداء المهني لكل وسائل الإعلام في مصر، ثم هيئة وطنية للصحافة القومية وهيئة وطنية للإعلام، وقد انتهينا من صياغته في يونيو 2015 ، ثم انتهت اللجنة المشتركة للصياغة النهائية منه تماما في سبتمبر من نفس العام. لماذا لم ير هذا القانون الموحد، النور حتي الآن؟ لأن الحكومة أقيلت بعد تقديمه بيومين، فتوقفت المسألة قليلا ثم بدأ الحديث عن انتخابات البرلمان، فانتظرنا انعقاده، وبدأنا الآن حوارا جديدا مع حكومة شريف إسماعيل، وهناك توافق كبير علي القانون وصدر بيان نهائي يتحدد فيه بشكل واضح أن الحكومة ستصدر القانون الموحد. لكن يتردد أن الحكومة لا تريد إصدار هذا القانون، وأنه لا يوجد توافق عليه من الجماعة الصحفية... أين الحقيقة؟ الحقيقة هي أن هناك شخصا واحدا في مصر كلها يعترض علي هذا القانون، وهو النقيب الأسبق الأستاذ مكرم محمد أحمد، لكن اعتراضه لا يصمد طويلا، لأنه باختصار يري أن يتم تشكيل الهيئات الثلاث أولا، ثم يليها إصدار القانون، استنادا علي فهم غير صحيح للبنود213,212,211 من الدستور، والتي تنص علي أن القانون يعرض علي الهيئات، ففهم منها وجوب التشكيل أولا، لكن هذا كلام مردود عليه بأن هذه البنود تعني أن يعرض القانون علي الهيئات في حال وجودها أساسا، لا أن يتم تشكيلها ليعرض عليها القانون! وأنا أدعو الأستاذ مكرم لمناظرة علنية علي الملأ لإثبات دستورية القانون الذي شارك في وضعه أساتذة قانون وفقهاء دستوريون علي رأسهم علي عبدالعال رئيس البرلمان، بالإضافة إلي مجلس نقابة الصحفيين والنقابة العامة للنشر وغرفة صناعة الإعلام والهيئة العامة للاستعلامات ومجلس الإذاعة والتليفزيون ورابطة المنتخبين وغيرها، وليس صحيحا أن الحكومة لا تريد إصداره، فقد اتفقنا علي تشكيل لجنة فنية للاستماع إلي تساؤلات الحكومة حول المشروع في عدة جلسات، لن تزيد علي العشر، وقد وعد وزير العدل أحمد الزند برفعه بعد ذلك للرئيس، لتقديمه للبرلمان، ليقر القانون الذي طال انتظاره، ولن يستطيع أحد عرقلته، والذي أعتقد أنه سيكون أداة ضبط قوية أتفاءل بأنها ستضع الإعلام في منحي أفضل كثيرا، خاصة بعد إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية.