ننشر كلمة الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، التي قالها في تأبين الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل، بمؤسسة "الأهرام"، مساء اليوم الأربعاء.. يقول الأستاذ مكرم محمد أحمد في كلمته: الكاتب محمد حسنين هيكل كان أستاذًا ومدرسة، نموذجًا ومثالًا، شديد الاعتزاز بنفسه، شديد الاحترام لمهنته، يكره التواضع الكاذب وينفر من سوء المظهر، يحب التأنق ويعشق الورد الأحمر، صائغًا مُبدعًا يحيك من اللغة مفردات وتعبيرات تسري مسرى الحكمة، يعتبر جزءًا من دوره ومهمته اكتشاف الموهوبين، وأصحاب القدرات، لا يبخل بأي فرصة على من يستحقها، مربيًا عظيمًا يعرف أصول المهنة وتقاليدها. كان في أجيالنا أول من أخبر، وأول من كتب، وأول من عرف، وأول من حاور وأذاع، إلى آخر قائمة مفردات العمل الصحفي، يصعب أن تفاجئه بخبر أو فكرة، يمتلك قدرة استشعار قوية تحسن قراءة المستقبل، وتحسن فهمه. كان يملك قدرة فائقة على رؤية الشعرة الدقيقة التي تفصل بين الشجاعة والحماقة، وبين حق المواطن في أن يعرف وحق الوطن في الأمن، وبين الإثارة المهنية التي لا تجرح صدق الكلمة وبين المبالغات الفجة التي تتلف المعنى وتفسد المشاعر، فقد كان صحفيًا باهرًا، الأعظم على امتداد أجيال طويلة، وكان سياسيًا لامعًا وقد مزج بين الصحافة والسياسة في اقتدار. ترك هيكل إرثًا صحفيًا عظيمًا ضخمًا، عشرات الكتب وآلاف المقالات والمعارف والأفكار أغلبهما موثق يجعل منها تاريخًا موثوقًا، ينتصر جميعًا للعدل والتقدم، وحق الناس في المعرفة، وحق الشباب في أن يتعلم، وأظن أن السؤال المهم لنا جميعًا، ماذا نحن فاعلون بهذا الإرث العظيم؟ نستطيع أن نطلق اسم هيكل على مبنى الأهرام أو شارع الصحافة أو أي مكان يزيده شرفًا اسم هيكل، لكن الأهم من ذلك، أن نتأسى "هيكل" صحفيًا نزيهًا، "جورنالجيا"، يعتبر نفسه بشخصه ومهنته، يقرأ أو يعرف قبل أن يكتب، وعندما يكتب يحترم قارئه، لا يطلق حكمًا دون حيثيات واضحة، وأدلة ثبوت جليلة، يحافظ على حسن المظهر، ويلتزم الجميع احترامه. وأن نتأساه ناشرًا، ورئيس تحرير، تفوق شجاعته كناشر شجاعة أي كاتب، ورئيس تحرير عادلًا يعطي الفرصة لمن يستحقها، كبيرًا يجب أن يرى كل فريق عمله من الكبار، قادرًا ينشر مظلة آمنة على العاملين معه، مشجعًا سريع الإثابة، يكافئ فورًا كل عمل متميز، فخورًا بنفسه، وصحيفته، وفريق عمله. رحم الله أستاذنا المناضل محمد حسنين هيكل، وعوض مصر والصحافة والسياسة فيه خيرًا، وعزاء لأسرته العزيزة، وقرينته الفاضلة التي أعانته على هذا المشوار الصعب والعظيم.