وقفت الأرملة الشابة تقرأ الفاتحة على قبر زوجها، بينما كان والده سعد الدالي"نور الشريف" يطل عليهما بعينيه الغارقة في الدموع من شرفة غرفة نومه..إلى هنا انتهى مشهد درامي في مسلسل "الدالي" أصر فيه الأب على دفن ابنه البكر في قبر خاص داخل حديقة قصره.المشهد الذي انتهي تاركا تجاوب في مشاعر الحزن مع أسرة"الدالي" وهي تقف أمام قبر ابنها يبدو أنه سيظل عالقا في ذهن البعض. ومن المؤكد أن إنشاء مقبرة خاصة هي فكرة فرعونيةأصيلة، فلا يمكن أن ننسى أن الأهرامات إحدى عجائب الدنيا السبع هي مقابر ضخمة وعظيمة تجسد بحث المصري القديم عن الخلود. الزعيم سعد زغلول، الذي قاد ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي هو أشهر من دُفن في قبر خاص قريب من بيت الأمة في وسط القاهرة، في الشارع المعروف ب"ضريح سعد". الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل لن يكون آخر من يفكر في إقامة مقبرة خاصة فقد تقدّم بطلب للموافقة على إقامة قبر خاص له على مساحة 250 مترا داخل مزرعته الخاصة، والتي يقيم بها معظم وقته، في قرية برقاش بمحافظة 6 أكتوبر. أنشأ هيكل مزرعته، على مساحة تقدر بحوالي 50 فدانا مزروعة بأشجار الموالح، يحدها غربا الطريق المؤدي إلى المنصورية، وبحريا الطريق العمومي بين برقاش والخطاطبة، وشرقيا كتلة سكنية، وتحدها المقابر العامة من الناحية القبلية في تماس مع سور المزرعة، حيث يرغب في بناء القبر الخاص على مساحة 250 متر مربع. مصدر مقرب من الأستاذ هيكل قال إن طلب بناء مقبرة خاصة كانت فكرة راودته منذ سنوات، خاصة وأن الفاصل بين مزرعته ومقابر برقاش العامة هو سور عرضه 20 سم وارتفاعه 5 أمتار فقط، لكنه تراجع عنها قائلا : " لن أورث أبنائي وأحفادي بيتا يبدو كمقبرة". غير أن الدكتور فتحي سعد، محافظ 6 أكتوبر، قرر أمس خلال اجتماع لمجلس محلي المحافظة رفض طلبا تلقّاه من هيكل عن طريق وزارة التنمية المحلية لإنشاء مقبرة خاصة في الأرض المملوكة له بقرية برقاش. بطريقة لا تحمله مسئولية رفض الطلب، يؤكد محافظ 6 أكتوبر أن الموافقة على إنشاء المقابر الخاصة ليست من سلطات المحافظين، لكنها بقرار جمهوري بعد استطلاع رأي المجلس المحلي الشعبي المختص والأجهزة المعنية الأخري، كما أن الموافقة على طلب هيكل بناء مقبرة خاصة يعد سابقة من شأنها فتح الباب أمام كل من يملك مزرعة بأن يبني بها مقبرة خاصة. وبعيدا عن الاتفاق أو الرفض، فلم يكن هيكل هو أول من يطلب لنفسه مقبرة خاصة في مصر فقد سبقه الأديب المصري الملقب بأمير القصة العربية يوسف إدريس إذ دفن عام 1991، أمام بيته بقرية البروم مركز فاقوس بمحافظة الشرقية. قانونيا، يلفت المحامي نجاد البرعي رئيس مجلس إدارة مؤسسة تنمية الديمقراطية المصرية إلي قانونية الحق في الدفن في غير الأماكن المخصصة لذلك، كما يعطي القانون الحق للجهات الإدارية في الرفض أو القبول بعد التأكد من جدية الأسباب. يستنكر عدد من علماء الأزهر إنشاء مقابر خاصة أو الدفن في البيوت والقصور، من باب درء المفاسد. وباعتبار أن بناء المقابر في الأراضي الزراعية يؤدي إلى تحويلها إلى مقابر متناثرة، مما يؤدي إلى فساد التربة ونشر الأوبئة. الأولياء ومشايخ الصوفية كانوا يفضلون أن يدفنوا في مساجد أو في قبر يقام عليه مسجد ليكون مزارا خاصا ومصلى بعد الممات، إلا أن أكبر مقبرة إسلامية هي "تاج محل" بالهند الذي أنشأها الإمبراطور المغولي "شاه جهان" تخليدا لذكرى زوجته ممتاز محل وهو مزار شهير وآية رائعة في العمارة الإسلامية. لكن، التاريخ يشهد أن الرغبة في المقبرة الخاصة حلم راود حتى رجال الدين أنفسهم ففي عام 1977، نشرت جريدة الجمهورية في عددها الصادر يوم 7 مايو خبرا نصه"أقام الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر السابق مسجدا في قريته السلام" بمركز بلبيس، وأوصى عند وفاته بأن يدفن في هذا المسجد وهو ما حدث فعلا عقب وفاة الشيخ الجليل الذي كان أحد علماء الصوفية". تبقى واقعة "قتيل أركيديا" الأكثر تعلقا بالأذهان لارتباطها بحادثة قتل وقعت في نهاية التسعينيات وعرفت بحادثة"أركاديا مول" التي طعن فيها رجل الأعمال عمر الهواري، صديقه رجل الأعمال محمود روحي وأرداه قتيلا، وبمعاونة أحد أقارب القتيل المقرب من دوائر السلطة، تم دفنه في حديقة" فيلته". على مستوى العالم فإن عددا من النجوم والمشاهير من سياسيين وفنانين دفنوا في مقابر خاصة لعل أشهرهم نجم البوب الأمريكي الأسمر "مايكل جاكسون" الذي توفي عن عمر يناهز 50 عاما قبل أكثر من عام، ودفن في مزرعته بولاية كاليفورنيا عاصمة الغرب الأمريكي، بعد خلاف بين عائلته عن مكان دفنه. والدفن في مقابر خاصة وكنائس أمر شائع في الغرب، كما أن الأديب الروسي "ليو تولستوي" دفن في حديقه منزله ويعد العالم إسحق نيوتن أشهر المدفونين في الكنائس، كما أن أشهر مقبرة جماعية خاصة هي المقبرة التي تضم رفات باباوات الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان. وأشهر مقبرة خاصة في العالم العربي هي التي تضم رفات الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بمقر المقاطعة في مدينة رام الله، بالضفة الغربية، وهي عبارة عن صندوق أسمنتي يرجى نقله إلى القدسالمحتلة عندما يتم تحريرها وفقا لوصية الزعيم الراحل. حالات تعد على أصابع اليد الواحدة في مصر التي طلب فيها الموافقة على إنشاء مقابر خاصة لكن الدكتور حسن سلامة، الخبير بمركز البحوث الاجتماعيةوالجنائية يعتبرها مؤشرا ل"استغلال" النفوذ والمكانة الاجتماعية، وهدرا للقيم والأعراف التي تقول إن الناس سواسية، والتي يحتاجها المجتمع الآن للحفاظ عليه من التدهور في ظل غياب الطبقة الوسطى. يقول سلامة:"هذه الاستثناءات تفتح الباب أمام المجتمع للسؤال عن السبب الذي جعل شخصا يفكر في مقبرة خاصة"، ويرجع سلامة الرغبة في الحصول على مقبرة خاصة إلى البحث عن الوجاهة الاجتماعية أو "البرستيج" لكي يظل الفرد "نافذة" حياوميتا.