متناقضات كثيرة يشهدها سوق العقارات المصري والذي يبدو أن "الثورة" لم تصل إليه فبالرغم من سوء الأحوال الاقتصادية وانخفاض الطلب وارتفاع العرض من كل أنماط الإسكان إلا إن الأسعار لم تتأثر وظلت على ارتفاعها وخصوصا بالنسبة للإسكان المتوسط الذي يهم الشريحة الأكبر من المواطنين.. فهل تستمر تلك المتناقضات أم أن السوق سيشهد انفراجة قريبة كما يتوقع خبراء العقارات. بداية يؤكد الدكتور حسين جمعة، رئيس جمعية الثروة العقارية، أن السوق المصري لا يخضع لمعايير وقواعد ثابتة على عكس الأسواق العقارية في غالبية دول العالم وذلك بسبب غياب ثقافة الالتزام واحترام القوانين واستغلال الظروف لارتكاب المخالفات فبعض المواطنين كانوا يقومون بعمل "ثروة" عقارية في الوقت الذي كان الشباب يقومون بعمل "ثورة" للوطن. وأشار إلى أنه قبل الثورة كانت توجد مستويات معينة من العقارات ومساحات معينة ودرجات تشطيب معينة وكان الطلب على الإسكان المتوسط كبير وهو التي تنحصر مساحاتة من 70 إلى 90 مترا بينما كان الطلب على المساحات من 90إلى 130 و140 مترا أقل نسبيا والمساحات من 120 إلى 220 مترا كان الطلب عليها ضعيف جدا والمعروض منها كبير جدا ومن ناحية المناطق والتي تضم مناطق التجمع الخامس والتجمع الثالث كشريحة أولى والشيخ زايد و6 أكتوبر كشريحة ثانية والشروق والعبور الذين يمثلون الشريحة الثالثة للإسكان وبدر والعاشر من رمضان الذين يمثلون الشريحة الرابعة فإن الطلب كان عليهم متوسطًا. لكن بعد الثورة حدثت بعض التغيرات فبالنسبة للمساحات الصغيرة فإن الطلب لم ينخفض في مجمله وإن انخفض في بعض المناطق التي تمثل الشريحة الأولى بالقاهرةالجديدة وذلك لأن هذة المساحات مطلوبة من المقبلين على الزواج وهو ما لم يتأثر بأحداث الثورة والأوضاع الاقتصادية الجديدة التي ترتبت عليها. وأضاف د.جمعة أنه للدلالة على أن السوق العقاري المصري غير متوازن ولا يخضع لحسابات منطقية أنه في عز الأزمة أيام الثورة من 25 يناير إلى 11 فبراير ارتفع سعر الحديد إلى 10 آلاف جنيه نتيجة لمخالفات المباني الكثيرة التي تمت في حين أن هذه الفترة كانت تمثل أزمة ومن الطبيعي أن يتوقف فيها البناء وبالتالي تنخفض أسعار مواد البناء وحتى عندما زاد المعروض من الحديد مؤخرا لم تنخفض الأسعار بل على العكس زادت بسبب زيادة الطلب نتيجة زيادة البناء المخالف. واستطرد بالقول إن السبب الأخر لعدم انخفاض أسعار الوحدات هو أن الملاك يصرون على تثبيت الأسعار حتى لا تقل الأرباح وهؤلاء هم الغالبية مع الأخذ فى الاعتبار ان عددًا محدودًا من الشركات خفضت الأسعار للحصول على الشيولة وبالنسبة للإسكان فوق المتوسط فإن أسعاره انخفضت بمتوسط 15% إضافة إلى أن الشركات قدمت تسهيلات فى السداد أما الاسكان الفاخر فإن الإقبال عليه ضعيف ويعانى من الركود الشديد، ومع ذلك فإن الشركات ترفض تخفيض الاسعار بسبب توقعهم حدوث انفراجة اقتصادية فى المرحلة المقبلة وبالتالى زيادة الطلب كما أنهم يتبعون نظرية " اركن افضل ما تبيع". بينما أكد محمد عبدالجواد سمسار عقارات بالقاهرةالجديدة أن عدم انخفاض الأسعار يرجع إلى أن أسعاره قبل الثورة كانت مرتفعة جدا ومن قام بالشراء لا يريد أن يخسر ولذلك يرفض البيع إلى أن تتحسن الظروف خصوصا أن الغالبية قامت بالشراء من باب المتاجرة بغرض الربح وبالنسبة لغالبية الشركات العقارية فإنها تسير على نفس النهج وتنتظر ارتفاع المبيعات عند استقرار الأوضاع عكس عدد محدود منها قام بتخفيض الأسعار كما حدث فى كموند " زيزينيا " بالقاهرةالجديدة الذى انخفضت أسعاره فارتفع الطلب وانتعشت مبيعاته وهو ما حقق للشركة المالكة سيولة تمكنها فى بدء مشروع جديد. فيما يرى الخبير العقارى صلاح حجاب، الرئيس السابق لجمعية التخطيط العمراني، أن السوق يمر حاليا بفترة "ترقب" ظاهرها "ركود" وهذا الترقب سينتهى بعد فترة مع استقرار الأحوال الاقتصادية والسياسية وتوقع أن تنخفض الأسعار بالنسبة لوحدات الإسكان فوق المتوسط والمتوسط خلال 6 أشهر على الاكثر لأن السوق كان متشبعًا من هذا النوع وكانت نوعية الطلب بعيدة عن زوى أدنى الدخول والدخول المتوسطة ولذلك فإن السوق سيغير من نفسه لأن المعروض لابد أن يكون فى الأماكن المناسية وليس فى القاهرة فقط التى تشبعت أكثر مما يجب وزاد المعروض كثيرا وخصوصا فى المدن الجديدة وهو ما يؤكد حتمية انخفاض الأسعار رغما عن إرادة المستثمرين حتى يستطيعوا البيع لأنه ببساطة لا أحد يستطيع الشراء بالأسعار الموجودة حاليا والعملية مسألة وقت إضافة إلى أن غالبية هذه المشروعات تتم بدون دراسات جدوى كاملة وخصوصا ما يتعلق بالطلب فى المكان المناسب والقدرة المالية وليس "الرغبة" للطالبين. وأشار حجاب إلى أنه إذا اتجه المستثمرون لعرض وحداتهم بالإيجار وليس للتمليك فإن ذلك سيؤدى إلى تحريك السوق بنمط جديد وسيكون مردوده عاليا وسيوفر السيولة لسداد القروض من جهته أكد الدكتور محمد عبدالباقى إبراهيم استاذ التخطيط العمرانى بجامعة عين شمس أن الركود الذى يشهده سوق العقارات حاليا سببه عدم انخفاض الأسعار سواء تمليك أو إيجار وهذا وضع مؤقت ناتج من حرص أصحاب العقارات على عدم تخفيض هامش الربح وهو ما يجعلهم ينتظرون تحسن الأوضاع الاقتصادية والأمنية لتعود الحياة إلى طبيعتها وهو ما قد يطول انتظاره فى ظل ضعف قدرتهم على تحمل الأوضاع السيئة الخاصة بسوق العقارات وإن كان من المنتظر حدوث انفراجة فى سوق العقارات خلال 6 أشهر ولكن بمعطيات جديدة حيث سيكون الطلب الأكبر على الإسكان المتوسط ودون المتوسط والاقتصادى يقابل ذلك انخفاض الطلب على الإسكان المتميز والفاخر الذى تشبع منه السوق. لذلك يتوقع د.عبدالفادر أن تتجه الدولة إلى تنمية المشروعات العقاريه ذات المسطحات الضيقة لمواجهة الطلب الشديد على الإسكان الاقتصادى والمتوسط وأن يتم توفيره بأسعار عادلة حيث إنه يباع حاليا بضعف تكلفته الحقيقية بالرغم من حصول الشركات على أراضٍ مرفقة وبأسعار منخفضة من الدولة وهو ما يستدعى التدخل المباشر لوزارة الإسكان وإجبار الشركات على طرح وحداتها بأسعار مناسبة.