لن ينسي أبدًا التوأم محمد وأمينة، 9 سنوات، ليلة العيد تلك، فالبرغم من أن هذه الليلة دائمًا ما ترتبط فى ذاكرة الأطفال بكل ما يفرحهم، إلا أنها ستبقى في ذهنيهما الليلة التى فقدا فيها حنان أمهما وعطف أبيهما، وسترتبط في ذاكرتهم دائما بمشهد والديهما وهما غارقان في دمائهما على الطريق الأسفلتى، بعد حادث اصطدام أدى إلى وفاتهما، تسبب فيه ذلك الإهمال الذى حرك كل شيء فى تلك الليلة الكئيبة. يروى الزميل محمد توفيق، محاسب صندوق التكافل بنقابة الصحفيين، وشقيق المتوفى فى الحادث، كيف كان للإهمال والاستهانة بأرواح البشر، اليد العليا فى إدارة الأمور تلك اللية، فيقول إن شقيقه "رمزى" اعتاد أن يقضى ليلة العيد مع عائلته كلها، فينتقل بأسرته الصغيرة من منزله بالشيخ زايد إلى السيدة زينب، حيث بيت العائلة، فعقب انتهائه من آخر إفطار فى رمضان تحرك بسيارته بصحبة زوجته وطفليه، حتى يستطيع الوصول إلى وجهته قبل "زحمة المحور"، وبالرغم من قيادته المتزنة -التى لم تنقذه هذه المرة- فقد تفاجأ بسيارة ملاكى فقد قائدها أدنى درجات الحس بالمسئولية تجاه الأرواح التى تمر حوله على الطريق، تسير فى عكس الاتجاه أمام نادى الزمالك، مما تسبب فى اصطدام سيارة "رمزى" بسيارة نقل وسيارة ملاكى أخرى فى حادث مروع، أدى إلى إصابة أخوه وطفليه ووفاة زوجته فى الحال. يتابع "توفيق" أن سيارات الإسعاف وصلت إلى موقع الحادث بعدها بقليل، لتنقل إحداها زوجة أخيه المتوفاة إلى مستشفى العجوزة، ونقلت الأخرى أخاه وطفليه إلى مستشفى الدولة العام، حيث وصل "توفيق" الساعة 8.30 ليجد أن "الإهمال" هو الوحيد الذى يتابع عمله بكل نشاط فى هذه الليلة، حيث قطط وصراصير فى كل مكان، عدد الحالات أضعاف عدد العاملين فى مشهد لا يوحى بالخير، ووجد شقيقه والد الطفلين فى غرفة وحوله عدد من الأجهزة البالية والتى لا يعمل معظمها، حتى أن جهاز التنفس الصناعى من الضعف الذى جعله يسقط عن وجه أخيه، مما أضطره إلى أن يثبته بيده فى كل مرة، وكذلك خلت الغرفة من الأطباء وحتى من أعضاء التمريض، ومع تأوهات أخيه، بحث عن أى شخص وكلما وجد طبيب يخبره أن هذا ليس تخصصه، وأخبره أحد الأطباء "من تحت لتحت" بضرورة أن ينقل أخاه من المستشفى بأسرع ما يمكنه. ويضيف شقيق المتوفى، أنه بدأ الاهتمام به وبحالات المصابين معه بعد أن أظهر له بطاقة هويته التى تثبت عمله فى مجال الصحافة، وإجراء عدة مكالمات تليفونية بأشخاص ربما تساعد فى إنهاء تلك الحالة من الإهمال واللامبالاة الشديدين، فأخبره أحد الأطباء أن أخاه يعانى كسرًا فى ساقه وفى الحوض وحالته مستقرة، ليفاجأ بعدها بساعة ونصف بوفاته، متأثرًا بإصابة شديدة بالجهاز التنفسي. أما أمينة ابنة أخيه- فوجدها فى طرقة المستشفى على ترول "حديد" والدماء تغطى وجهها ولا أحد يرعاها، وكذلك أخوها، حيث تمت خياطة جرح بقدمه وتركوه فى طرقة المستشفى، وبعد أن قام بإثارة انتباه الأطباء وطلب حضور المدير، نقلوا " أمينة" إلى غرفة، لكن دون رعاية، حيث تحتاج إلى إجراء عملية جراحية، لكن لا من مجيب، وأخبره أحدهم بضرورة الانتظار. يكمل "توفيق": بعد عدة ساعات من المعاناة فى ذلك المستشفى، ومضايقات وابتزاز من كل شخص يملك إنهاء إجراء معين فى سبيل نقل الطفلين لمستشفى أخرى، تمكن من نقلهما لمستشفى الرحمة بمصر الجديدة لإجراء العملية الجراحية، بعد أن فقد أخاه نتيجة الإهمال فى المستشفى. وتم تحرير محضر بالواقعة وتمت إحالته لنيابة العجوزة التى تتابع التحقيق مع سائق السيارة الملاكى المتسببة فى الحادث.