تطور لافت تشهده العلاقات المصرية الألمانية فى الأشهر الأخيرة بدأ بلقاء المستشارة إنجيلا ميركل والرئيس السيسى على هامش منتدى دافوس حيث كان الرئيس الوحيد الذي التقته ميركل ثنائيًا خلال المنتدى وأكدت له أهمية مصر كمرساة للاستقرار فى منطقة تشتعل بالصراعات ودعته لزيارة ألمانيا وهى دعوة سيلبيها قريبا. ثم جاءت المشاركة الألمانية رفيعة المستوى فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ ممثلة فى نائب المستشارة ووزير الاقتصاد زيجمار جابرييل على رأس وفد من كبار رجال الأعمال وممثلي الشركات الألمانية وتوقيع اتفاقات لاستثمارات بالمليارات فى قطاع الطاقة وغيره. ومنذ أيام زار مصر فولكر كاودر رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي الحاكم فى ألمانيا والذى خرج من لقائه الرئيس السيسى ليؤكد في الإعلام الألماني أنه نظرا للوضع الأمني المتردي في المنطقة وخطر الإرهاب فإن من مصلحة ألمانيا تطوير علاقاتها مع مصر بشكل ناجح بل وقال بصراحة يحسد عليها إن بلاده " ملزمة" بدعم وتعزيز قدرات مصر التى وصفها مثل ميركل بأنها " مرساة للاستقرار" فى منطقة تشبه برميل البارود وأن ما يحدث فى اليمن وسوريا وليبيا يهدد أمن وسلامة ألمانيا وأوروبا بشكل مباشر، لذلك فمصر شريك مهم لمحاربة الإرهاب وتحقيق السلام والاستقرار. وتعهد كاودر بأن تعمل كتلته البرلمانية من أجل تكثيف الشراكة الألمانية مع مصر خلال الفترة المقبلة على الصعيد الاقتصادي مما سينعكس على قوتها العسكرية. هذه الرغبة الألمانية في دعم مصر اقتصاديا وتعزيز قدراتها العسكرية والتي عبر عنها أكبر المسئولين الألمان ليست نابعة فقط من المخاوف من أن يهتز استقرار وأمن أكبر دولة عربية وأن يمتد إليها إرهاب التنظيمات الجهادية فى دول الجوار ويتحالف مع إرهاب الداخل مما يعنى تهديد أمن المنطقة بكاملها. إنما هي جزء من الإستراتيجية الألمانية الجديدة لتقوية قدرات مصر كقوة مؤثرة فى إقليمها لتضطلع بدور رئيسي في محاربة تنظيمات التطرف والإرهاب حتى لا تهدد أوروبا أيضًا. وتسعى برلين لإدراج مصر ضمن هذه الإستراتيجية التي تستند إلى مبادرة التعزيز والتمكين التي طرحتها المستشارة إنجيلا ميركل عام 2011 وروجت لها خلال العامين الماضيين على الصعيد الأوروبي ، وهى مبادرة تقوم باختصار على فكرة أن ألمانيا التى تهيمن اقتصاديا وسياسيا على الاتحاد الأوروبي ترغب فى لعب دور أكثر تأثيرا على الصعيد الدولي بما فى ذلك التدخل لإنهاء الأزمات والصراعات في المناطق المشتعلة فى جوارها المباشر وفى إفريقيا والشرق الأوسط، وهى سياسة جديدة معلنة أكدها الرئيس الألماني جاوك ووزيري الدفاع والخارجية في أكثر من مناسبة. ولكن هذه السياسة تواجه صعوبات مثل الرفض الشعبي الألماني لإرسال قوات ألمانية لمناطق الصراعات كما تؤكد ذلك استطلاعات الرأي. والأهم من ذلك أن القدرات العسكرية الألمانية والأوروبية المحدودة لا تسمح بذلك، فضلا عن أن برلين تسعى تدريجيا لسياسة دفاعية وأمنية وأوروبية مشتركة والخروج من تحت العباءة الأمريكية وتقليل الاعتماد على حلف الناتو من خلال بناء قوات عسكرية أوروبية مشتركة. وفى عام 2011 طرحت ميركل مبادرة التعزيز والتمكين ثم أكدتها عام 2012 فى كلمتها أمام قادة الجيش الألماني في مدينة شتراوزبرج حيث قالت إن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو غير قادرين بمفردهما على مواجهة التحديات الأمنية التي تواجه أوروبا وإرسال قوات لمناطق التوتر والنزاع. ومن هنا فلابد من تقديم الدعم لدول أخرى تكتسب أهمية فى محيطها الإقليمي والدول الواعدة اقتصاديا و المنظمات الإقليمية ذات الثقل مثل الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية. اليوم ومع الشعور الألمانى والأوروبي بالخطر الذي يمثله إرهاب داعش وأخواتها في ليبيا وشمال إفريقيا ومع تفكك دول عربية الواحدة تلو الأخرى بدأت برلين فعليا فى تطبيق مبادرة تعزيز وتمكين الشركاء الإقليميين وفى مقدمتهم مصر. فبالإضافة للدعم السياسي والعسكري والأمني التي تعهدت ألمانيا بتقديمه لمصر فى حربها على الإرهاب ومساعدتها على تأمين حدودها، أيدت برلين المبادرة المصرية لإنشاء قوة عربية مشتركة تتدخل لفرض الأمن والاستقرار فى المنطقة ورحبت بقرار قمة شرم الشيخ بتشكيل هذه القوة. أما فولكر كاودر فوصفها بأنها خطوة رائعة لأن ألمانيا وأوروبا يمكنهما دعم مصر فى هذه الحرب بدلا من التدخل المباشر الذى لم يُعد مقبولًا من الشعوب العربية. وأكد السياسي الألماني الرفيع أن محاربة تنظيمات الإرهاب ومحاولات بعض القوى زعزعة استقرار المنطقة لابد أن تكون مهمة الدول العربية بدعم من ألمانيا والاتحاد الأوروبي موضحًا أن هذه هي رؤية القيادة المصرية حاليًا وواصفًا الطريق الذي تسلكه مصر الآن بالطريق الوحيد الصحيح. نقلا عن الأهرام.