"أرزقي على باب الله".. هكذا يعرف علي ياسر (34 عامًا) نفسه، حيث يعمل باليوميّة فى قطاع البناء والتشييد، الأمر الذى يجعله وزوجته وأولاده فى مواجهة أزمات أقتصادية لا حول لهم بها ولا قوة.. وما أن توقف حال هذا القطاع، إلا وتوقفت معه حال الكثير من الأسُر، كما يحكى العامل، الذى ننقل نص حديثه كما هو. منذ أول دقيقة استقل فيها قطار الصعيد المقبل من المنيا، إلى القاهرة، منذ 3 سنوات، أدرك ياسر غموض مستقبله وصعوبته، لكن "الحاجة" دفعته للمغامرة، يقول ياسر "كنت عايش فى بلدنا بأزرع وساعات أساعد فى بناء بيوت، واتزوجت فى بيت أبويا وعندي 3 أولاد وبنت، والمصاريف زادت ومفيش فلوس، قلت أنزل زي الناس إللى عندنا فى البلد بتنزل مصر وتشتغل فى المباني باليومية، قلت أجرب حظي ممكن ربنا يوسعها عليا"، ومنذ أول يوم وطأت فيه قدمه أرض القاهرة اتجه رأسا إلى "سوق العمال" أسفل كوبري السيدة عائشة، يكمل ياسر "قعدت مع باقي العمال منتظرين أي مقاول عاوز أنفار، وطلعت شغل فعلا وأخدت يومية 60 جنيهًا، وبعد فترة بعتت أحضرت زوجتى وأولادي وأجرنا أوضة ب20 جنيهًا فى جزيرة الحجر، ناحية المرج، وهي بتساعدني بتشتري طلبات للناس وبتساعد الستات فى بيوتها وبتجيب قرشين"، ومع أن طبيعة عمله باليومية فرضت عليه فى بعض الأوقات أن يعمل أياما ويقضي أياما أخرى بدون عمل، إلا أنه كان سعيدًا راضيا "الحمد لله، كنت ألاقي لقمة العيش، والرزق ربنا مخبيه، كنت بأشيل شوية من الفلوس للوقت إللى مفيش فيه شغل، وربنا بيرزق"، لكن الأحداث الأخيرة أوقفت سوق العمل ، وخاصة مجال البناء والتشييد، فتراص عمال البناء على الأرصفة فى انتظار فرصة عمل لا تأتي، يقول ياسر "أنا فضلت شهر كامل قاعد فى البيت مش لاقي شغل وقت القلق والبلطجية، وفضلت أستلف فلوس من كل الناس، حتى أنبوبة البوتاجاز ماكنش معايا فلوس علشان أملاها، وواحد ابن حلال سلفني أنبوبة مليانة من عنده، ومن وقت قريب ابتديت أشتغل شوية علشان أسدد ديوني"، لكن هذا لا يعني أن قطاع البناء قد عاد إلى طبيعته الحيوية "فى الشهرين اللي فاتوا اشتغلت 14 يومًا، ده شغل قليل جدا، فى الوقت العادي كنت بأشتغل أكتر من كده، غير إن اليومية بقت أقل من الأول لأن المقاولين بيستغلوا الوضع بتاعنا إننا محتاجين شغل والشغل كله متعطل، كانت اليومية بتاعتنا من 50 جنيهًا لحد 60 جنيهًا، دلوقتى بقوا يقولوا لنا 20 جنيهًا أو 30 جنيهًا، وإللى مش عاجبه فيه غيره كتير، فأنا بأوافق لأني محتاج مصاريف للبيت ولمدارس العيال"، مضيفا "أنا كل يوم باصرف 10 جنيهات، سواء كان فيه شغل أو مفيش رغم إني مش بأدخن لكن علشان المواصلات والأكل وشرب الشاي، والحمد لله ربنا ساترها من عنده". وبرغم ما يعانيه ياسر، إلا أن عمرو حسين ليس أفضل حال منه، هو رجل فى نهاية الثلاثينيات متزوج ولديه ثلاثة أبناء، يعمل فى النقاشة والمحارة وكل أعمال البناء ،حسب قوله، لم يعمل سوى 10 أيام خلال الشهرين الماضيين، يحكي حسين "كنت متفق أنا و7 صنايعية على شغل هيقعد إسبوعين، اشتغلنا يومين منهم والدنيا اتقلبت والبلطجة زادت والمظاهرات فى الشوارع والدنيا قفلت، والناس وقفت الشغل ولحد اليوم مش لاقيين شغل"، يتابع "إحنا كل يوم بنتجمع من الساعة 7 الصبح فى أي مكان لسوق العمال فى العتبة أو السيدة زينب أو منشية ناصر، وبييجوا أصحاب الشغل يآخدوا العدد إللى عاوزينه، وإللى بيفضل قاعد بيستنى لآخر اليوم يمكن ييجي له شغل"، يؤكد حسين إلى أنه لم يعمل إلا 10 أيام فقط فى دهان مدرسة ومحل وبناء سور صغير أمام أحد البيوت، مضيفا "كانت فيه عربة بتنقل رمل ومفروض نطلعه للدور السابع، وفى العادي كنا بناخد على الشغلانة دى 50 جنيهًا، اليومين اللى فاتوا الراجل قال لنا 10 جنيهات وما زودناش مليم، وأنا يوميتي فى العادي من 35 جنيهًا لحد 70 جنيهًا، لكن مع العطلة دي نزلت اليومية للربع"، ويقول حسين أنه ترك قريته "نجع زريق" فى أسيوط وزوجته وأبنائه هناك، واتجه إلى القاهرة منذ 7 سنوات حتى يوفر لهم حياة كريمة "الرزق كان ضيق فى بلدي، نزلت مصر لقيته أضيق"، يتابع حسين "عايش فى أوضة فى العتبة من 4 سنين أنا و3 عمال، والشهر اللى فات كان صاحب الأوضة عاوزنا نمشى علشان مدفعناش الفلوس"، ويكمل حسين " من أسبوعين اضطريت أروح أشتغل فى قهوة عشان أجيب مصاريفي، لحد ما ربنا يفرجها والشغل يرجع تاني".