عبر السفير أحمد بن حلى نائب الأمين العام للجامعة العربية، عن قناعته بأن رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز مثل خسارة كبيرة للأمة العربية لواحد من أعظم رجالاتها، وأحد قادة الإصلاح والتنوير. وأوضح، أن الملك عبدالله كان يمتلك عقلية فذة، وبصيرة ثاقبة، أهلته للعب دور بالغ الأهمية فى تحصين التضامن العربى، والإسهام فى إيجاد حلول للأزمات العربية، والخلافات، التى نشأت فى بعض الأحيان بين الدول العربية، دون أن يتأخر لحظة عن القيام بذلك، فى أى مرحلة. وأشار إلى أن ثمة مرجعيات أساسية فى النظام الإقليمى العربى تعود إليه، سواء عندما كان وليا لعهد المملكة، أو عندما تولى مقاليد أمورها، مذكرا، فى هذا الصدد، بوثيقة "الإصلاح والتطوير"، التى أقرتها القمة العربية، والتى عقدت بتونس فى عام 2004، والتى تشكل، منذ ذلك الوقت، المرجعية التى تعتمد عليها الجامعة العربية عند قيامها بمراقبة الانتخابات العربية، أو التحولات الديمقراطية فى المنطقة، وكذلك وثيقة "العهد والوفاق" بين القادة العرب، والتى تؤكد الحرص على تكاتف جهودهم، للعمل على تحقيق مصالح الشعوب العربية فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والفكرية، والتى أقرتها القمة نفسها. وقال "بن حلى"، فى تصريحات ل" بوابة الأهرام": "لو نظرنا إلى التعامل العربى فيما يتعلق بالقضية المركزية، وهى القضية الفلسطينية، سنجد أن العاهل الراحل كان هو صاحب المقترحات والبنود، التى قامت عليها المبادرة العربية، عندما كان وليا للعهد، والتى أقرتها القمة العربية فى بيروت عام 2002، والتى باتت اليوم المرجعية الأهم عربيا ودوليا، على صعيد أى توجه للعمل على إنهاء الاحتلال الفلسطينى". وأضاف: "وقد تم تأكيد، فى الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية، الذى عقد على مستوى وزراء الخارجية، فى منتصف شهر يناير الحالى، التمسك ببنود هذه المبادرة، باعتبارها لا تزال تشكل الحل الأمثل لتحقيق السلام، وإنهاء النزاع العربي-الإسرائيلي"، مطالبا اللجنة الوزارية لمبادرة السلام العربية بمواصلة جهودها، لحشد التأييد والدعم لها، على المستويين الإقليمي والدولي، طبقا لما ورد فيها من التزامات. وتابع: "لقد كان - رحمه الله - حريصا على تفعيل ودفع العمل العربى المشترك، وتقديم كل الدعم للجامعة العربية، بحسبانها المجسد الحقيقى للنظام الإقليمى العربى، كما كان حريصا على الدوام على الدخول بكل ثقل المملكة فى مساعدة الدول الشقيقة فى أزماتها، وتقديم كل ما يمكن تقديمه لها، من الناحية المالية والاقتصادية، أو الإسهام بقوة فى أعمال إعادة الإعمار، ولعل نموذج اليمن كان واضحا بجلاء فى هذا الصدد، فالسعودية وقفت بصلابة لإنجاح المبادرة الخليجية، وكانت الراعية الأولى لها". واستكمل، قائلا: "استضاف مؤتمرا للمانحين فى الرياض، وهو ما شكل الأرضية، التى انطلقت منها الحلول للأزمة اليمنية، التى اندلعت عام 2011، وهناك أمثلة عديدة على ذلك"، ثم يتوقف السفير بن حلى قليلا، ليقول: "لقد لمست عن قرب عظمة هذا الزعيم، وبعد بصيرته، وحبه لوطنه ولدينه، وغيرته على أمته، حيث كان لى شرف لقائه عدة مرات، سواء برفقة الأمين العام الراحل للجامعة الدكتور عصمت عبد المجيد، أو الأمين العام الحالى الدكتور نبيل العربى". وأشار إلى أن مقدمة الخصائص التى توقفت عندها فيه تتمثل فى الصراحة والوضوح، وكان يمنح متحدثه على الدوام شعورا بأنه قريب منه، فضلا عن الورع، ومع ذلك، فإنه كان يتسم بالحزم، الذى تستوجبه مقتضيات الزعامة، التى تميز بها، بالإضافة إلى الجرأة فى اتخاذ القرار، فى الوقت المناسب وفى الاتجاه الصحيح. ونوه "بن حلى"، إلى دور الملك عبد الله على الصعيد الدولى، خاصة فيما يتعلق بالحوار بين الأديان، حيث كان سباقا للدعوة لهذا الحوار، اقتناعا منه بأهمية ذلك فى التقريب بين الشعوب، وجسد رؤيته، فى هذا السياق، عمليا، من خلال تأسيسه مركز حوار الأديان فى فيينا، والذى يلعب دورا محوريا فى تقديم صورة الإسلام الصحيحة، وتبديد المخاوف من ظاهرة "الإسلاموفوبيا" فى الغرب، فضلا عن تأصيل ما هو مشترك بين الأديان. وأوضح أن هذا المركز بات أحد المعالم الإنسانية فى أوروبا، والغرب كله، وذلك على الرغم من محاولات بعض الدوائر الإساءة إليه، فى الآونة الأخيرة، واتصالا بذلك، فإن الراحل الكبير، من منطلق غيرته على الدين الإسلامى، وقيمه السامية، كان له موقفه الواضح والقوى من مناهضة كل تجليات التطرف، وذلك لتحصين المجتمعات الإسلامية من كل من يسيئون إلى الدين. وأكد أنه تصدى بكل قوة لمن يشردون عن قيمه الأصيلة والسامية والمعتدلة، ولم يكن يعمل على التصدى لهؤلاء عبر الوسائل الأمنية فحسب، وإنما وجه بالاعتماد على الإصلاح والتربية والثقافة، وإجراء المراجعات، فضلا عن توفير المتطلبات الحياتية، حتى يمكن بناء الأجيال السوية، التى تعتز بدينها، ولا تكون عرضة لموجات التطرف، والاستغلال من هذه الفئة أو تلك، تحت أى مبرر اقتصادى، أو اجتماعى، وبالتالى تكون مجالا لتلاعبات سياسية، أو تستخدم فى تهديد أمن واستقرار المجتمع. واختتم "بن حلى" تصريحاته، قائلا: "إن الملك الراحل - رحمه الله - أعطى للسعودية مساحات واسعة من التجديد، سواء على الصعيد السياسى، من خلال إجراء أول انتخابات بلدية، بمشاركة المرأة، أو على صعيد الفكر والفن والثقافة، كما أبدى حرصا على النهوض بمتطلبات الشباب"، متنميا لخادم الحرمين الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز التوفيق والسداد فى قيادة المملكة، ليستمر دورها وتأثيرها الإيجابى عربيا وإسلاميا، وأن يسير على خطى المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز.