"الوطنية للانتخابات": 516 ألفا و818 صوتا باطلا بنظام الفردي في انتخابات الشيوخ    «المركزي» يلزم البنوك بتسوية مدفوعات نقاط البيع بالجنيه المصري    وزير الخارجية: 15 شخصية فلسطينية ستدير غزة ل 6 أشهر    رحيل الدكتور علي المصيلحي وزير التموين السابق بعد مسيرة حافلة بالعطاء(بروفايل)    شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية على خلفية اغتيال إسرائيل الصحفي أنس الشريف    فيريرا يخصص فقرة فنية في مران الزمالك استعدادا للمقاولون العرب    سارة خليفة عن فيديو تعذيب وهتك عرض شخص داخل غرفة نومها: السائق الخاص بي تسلل إلى منزلي    مفتي القدس: مصر سند دائم للقضية الفلسطينية منذ النكبة.. والذكاء الاصطناعي أداة لتعزيز الفتوى الرشيدة    مصطفى كامل يشكر راغب علامة لاحترامه نقابة الموسيقيين وحضوره التحقيق    تصاعد الصراع وكشف الأسرار في الحلقة الرابعة من "فلاش باك".. أول ظهور ل خالد أنور    نجوى كرم: أتمنى تقديم دويتو مع صابر الرباعي (فيديو)    غدا.. الفرقة القومية للفنون الشعبية تقدم عرضا بمدينة المهدية ضمن فعاليات مهرجان قرطاج بتونس    «اعرف دماغ شريكك».. كيف يتعامل برج الميزان عند تعرضه للتجاهل؟    مجلس عمداء جامعة كفر الشيخ يبحث استعدادات العام الراسي الجديد 2025/2026    متحدث باسم الخارجية الصينية: الصين تدعم كل جهود تسوية الأزمة الأوكرانية    ريال مدريد يرفض إقامة مباراة فياريال ضد برشلونة في أمريكا    ديمبلي: التتويج بدوري أبطال أوروبا كان أمرًا جنونيًا    الرقابة الصحية (GAHAR) تطلق أول اجتماع للجنة إعداد معايير "التطبيب عن بُعد"    ضبط سائق لحيازته 53 ألف لتر سولار بدون مستندات تمهيدًا لبيعها بالسوق السوداء في الأقصر    منسقة الأمم المتحدة: إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب يعكس اهتمام مصر بالرياضة كقوة ثقافية ومحرك للتنمية    ما نتائج تمديد ترامب الهدنة التجارية مع الصين لمدة 90 يوما أخرى؟    رئيس جامعة أسيوط يستقبل محافظ الإقليم لتهنئته باستمرار توليه مهام منصبه    إقبال كبير على تذاكر مباراة ريال مدريد أمام تيرول    الحسيني وهدان يتوج بذهبية الكونغ فو في دورة الألعاب العالمية    وسام أبو علي يستعد للسفر إلى أمريكا خلال أيام.. والأهلي يترقب تحويل الدُفعة الأولى    رامي صبري وروبي يجتمعان في حفل واحد بالساحل الشمالي (تفاصيل)    ما الحكمة من ابتلاء الله لعباده؟.. داعية إسلامي يُجيب    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    وزير التعليم العالي يفتتح المجمع الطبي لمؤسسة "تعليم" بمحافظة بني سويف    وكيل صحة الإسماعيلية تُفاجئ وحدة أبو صوير البلد لمتابعة إنتظام سير العمل وتحيل المقصرين للتحقيق    كريستيانو رونالدو يطلب الزواج من جورجينا رسميًا    «الإعلام والتحليل الرياضي من التفاعل الجماهيري إلى صناعة التأثير».. ورشة عمل بماسبيرو    قيادات الطب العلاجي يتابعون سير العمل بمستشفى نجع حمادي العام    «طبيعي يزعل ولكن».. شوبير يعلق على أنباء مفاوضات بيراميدز مع الشناوي    «مصيلحي» و«المصيلحي».. قصة وزيرين جمعهما الاسم والمنصب وعام الموت    غدًا.. قطع المياه عن مدينة أشمون في المنوفية 8 ساعات    حجز نظر استئناف المتهم بقتل مالك قهوة أسوان على حكم إعدامه للقرار    وزيرة التخطيط تشارك في إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب والرياضة 2025-2030    خصم يصل ل25% على إصدارات دار الكتب بمعرض رأس البر للكتاب    الطقس غدا.. موجة شديدة الحرارة وأمطار تصل لحد السيول والعظمى 41 درجة    الوزير يترأس اجتماع الجمعية العمومية العادية لشركة السكك الحديدية للخدمات المتكاملة    وكيل وزارة الصحة بالدقهلية يحيل المدير الإداري لمستشفى الجلدية والجذام للتحقيق    وزير الصحة يبحث مع المرشحة لمنصب سفيرة مصر لدى السويد ولاتفيا التعاون الصحى    12 أغسطس 2025.. ارتفاع طفيف للبورصة المصرية خلال التعاملات اليوم    الرئيس السيسي يستقبل اليوم نظيره الأوغندي لبحث تعزيز العلاقات الثنائية    الدقهلية تبدأ مهرجان جمصة الصيفي الأول 2025 للترويج للسياحة وجذب الاستثمار    مصرع طفل غرقا في ترعة باروط ببني سويف    الداخلية تضبط تيك توكر يرسم على أجساد السيدات بصورة خادشة للحياء    «تعليم كفر الشيخ» تعلن النزول بسن القبول برياض الأطفال ل3 سنوات ونصف    الأمم المتحدة: أكثر من 100 طفل يموتون جوعا في غزة    رسميًا.. باريس سان جيرمان يتعاقد مع مدافع بورنموث    12 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    وزير الصحة يبحث مع مدير الأكاديمية الوطنية للتدريب تعزيز البرامج التدريبية    هل يجب قضاء الصلوات الفائتة خلال الحيض؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى: "المعاشرة بالمعروف" قيمة إسلامية جامعة تشمل كل العلاقات الإنسانية    تنطلق الخميس.. مواعيد مباريات الجولة الثانية من بطولة الدوري المصري    العظمي 38.. طقس شديد الحرارة ورطوبة مرتفعة في شمال سيناء    مواقيت الصلاة في أسوان اليوم الثلاثاء 12أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقلباته لن يتحملها الأسد.. "ربيع دمشق" يعود على يد ثوارها
نشر في بوابة الأهرام يوم 04 - 04 - 2011

عندما أطلق "الأسد الصغير" في عام 2000 مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، عرفت باسم "ربيع دمشق".. وكان من المفترض أن يجنى الشعب السورى ثمار هذا الربيع خلال العامين التاليين.. لكن ذلك لم يحدث حتى وقتنا الحالى. اليوم وبعد انتظار أكثر من عشر سنوات لقدوم "ربيع دمشق" خرج الثوار فى سوريا، بحثًا عن ربيعهم، الذى تاه خلال الفترة الماضية. ويبدو مع توسع انتفاضة الثوار، أن ربيع دمشق سيحل على سوريا، حيث إن رياحه أقوى من أن يتصدى لها الرئيس بشار الأسد.
تفاصيل ربيع دمشق تعود إلى شهر يوليو عام 2000، عندما تولى الرئيس السورى بشار الأسد مقاليد الحكم فى سوريا خلفا لوالده حافظ الأسد، فى دراما سياسية هى الأولى من نوعها فى الوطن العربى، حيث اجتمع البرلمان السورى عقب وفاة الأسد الأب بساعتين، فى جلسة طارئة أقر خلالها تعديلات فورية فى الدستور، تم بمقتضاها تخفيض سن المرشح للرئاسة من 40 عاما إلى 34 عاما ، ليتمكن حزب البعث من الدفع بابن الرئس الشاب إلى سدة الحكم، وتشهد المنطقة أول حالة توريث للحكم فى نظام جمهورى جرى التخطيط لها بعناية طوال السنوات العشر الأخيرة من عمر حافظ الأسد.
رحب السوريون والعالم وقتها بالرئيس الشاب، الذى تلقى تعليمه في بريطانيا، واستبشروا بعهد جديد يقود سوريا نحو الإصلاح، وتعززت آمال السوريين بعدما أعلن الرئيس الشاب فى خطاب التنصيب تعهدات بالمضى قدما فى عملية إصلاح شاملة، تشمل حرية تشكيل الأحزاب السياسية، وإلغاء قانون الطوارئ المعمول به منذ ستينيات القرن الماضى، وإطلاق حرية الصحافة والإعلام، والسعى نحو انفتاح اقتصادى يعزز من قوة الاقتصاد السورى.
دعا الأسد القوى والتيارات السياسية السورية للدخول فى حوار وطنى لتنفيذ سياساته الإصلاحية، وبدا وقتها أن تباشير العهد الجديد بدأت تهب على سوريا. لكن وهج ربيع دمشق سرعان ما انطفأ بعد فترة وجيزة، عادت بعدها غيوم الخريف السياسى تخيم من جديد على سوريا، بعدما تمكن الحرس القديم، من احتواء الرئيس الشاب ووأد خطواته الإصلاحية، وتوقفت جلسات الحوار الوطنى، وعادت موجات اعتقال المعارضين أقوى مما كانت، وأصبح بشار الأسد أسيرا للحرس القديم الذي أحاط بوالده، لتستمر معاناة الشعب السورى خلال السنوات ال 11 الماضية التى حكم فيها بشار.
عندما انتفضت تونس وأطاحت ب"بن على"، وأعقبتها ثورة مصر على نظام مبارك، سارع الأسد إلى القول إن بلاده بمنأى عن ثورات مشابهة، فى خطوة استباقية تستهدف درء انتقال عدوى الثورتين المجيدتين إلى نظامة، موضحا أن الجماهير المصرية والتونسية ثارت على نظامى كامب ديفيد ودعاة التطبيع، وتناسى الأسد عن عمد، أن مبعث الثورتين المصرية والتونسية لم يكن بسب ذلك فقط - وإن لعب دورا ثانويا فى الحالةالمصرية- بل إن أسباب ودوافع ثورة مصر وتونس يمكن سحبها بالكامل على النموذج السورى إن لم تكن أكثر سوءا فى الحالة السورية، فى كل الجوانب اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ويكفى للدلالة على ذلك الاستشهاد بالمؤشرات والتقارير الدولية لتوصيف مدى تردى أوضاع يئن الشعب السورى تحت وطأتها قرابة نصف قرن.
فوفقا لمؤشر الشفافية العالمية عام 2010 ،احتلت سوريا المرتبة 150 من أصل 180، فى إشارة إلى مدى تغول الفساد المالى والإدارى فى البلاد، خاصة فى أسرة الرئيس وطائفته العلوية- وهى أقلية - كما تأتى سوريا فى المرتبة رقم 140 من أصل 180 حسب تصنيف الحريات الاقتصادية الدولى، وما لذلك من دلالة على ارتفاع معدلات الفقر وتدنى مستوى المعيشة كنتيجة منطقية لارتفاع معدلات البطالة عن 10 % وتدنى مستوى الدخل الفردى والوضع نفسه يسرى على مؤشرات التعليم والصحة والأمن والخدمات الأساسية.
أما عن سجل الحريات المدنية وحقوق الإنسان تملك دمشق تاريخا غير مشرف فى انتهاك الحريات، ويكفى للدلالة على ذلك، الإشارة إلى العدد الهائل من النشطاء الحقوقيين والسياسيين الذين جرى اعتقالهم خلال السنوات الماضية، أمثال طل الملوحى وسهير الأتاسى والمفكر الطيب تيزينى، إضافة إلى أن قانون الطوارئ المعمول به منذ ما يقرب من نصف قرن أطلق يد أجهزة الأمن لقمع المواطنين.
كما أن الجماهير السورية لم تغفر للنظام تخليه عن الجولان المحتل، وتركه ساحة رحبة تمرح فيها إسرائيل كما شاءت، ولم تبادر دولة الصمود والتحدى كما تباهى وتفاخر أن تطلق رصاصة واحدة فى سبيل استعادة الجولان منذ عام 1974.
بل إن بشار ومن قبله والده ذهبا إلى أبعد من ذلك وفاوضا إسرائيل بعد تمنع لسنوات رفعت خلالها دمشق راية الرفض للتفاوض مع إسرائيل على خطى مصر بل إن سوريا شنت حملات مسعورة على القاهرة وصلت حد وصف القاهرة بالخيانة، وهى خطوة كشفت عن ضعف فى الرؤية وغياب للمنهج، فمصر فاوضت بعدما انتصرت فى حرب 1973 ، وأرغمت تل أبيب على الرضوخ والخروج صاغرة من سيناء، أما الأسدان ففاوضا من منطق الافتقار إلى البديل، القوة العسكرية، ورقة الضغط الوحيدة التى تفهمها إسرائيل، وبغيابها لم تسفر المفاوضات عن شىء فخسر الأسد مصداقيته لدى شعبه. كان اليأس قد تعمق عند السوريين إزاء ضعف رئيسهم فى رد الإهانات المتتالية القادمة من إسرائيل ، أبسطها تنزه الطيران الإسرائيلى، محلقا وقتما شاء فوق القصر الرئاسى.
وتعمق شعور السوريين بالمرارة، بعد تصريحات بشار الأخيرة، في صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، التى زعم فيها أن شعبه غير مؤهل للإصلاحات الآن، وكأن السوريين صنف غريب من البشر لم يخلق للديمقراطية. ولذا لم يكن مستبعدا، أن ينتقل مدد الثورات العربية إلى سوريا ،وينتفض الشعب على نظام فشل خلال أكثر من نصف قرن أن يلبى الحد الأدنى من طموحاته.
ثارت درعا واللاذقية وحماة ودمشق، وبدا أن الأسد ونظامه لم يتعلموا من أخطاء سابقيه فى مصر وتونس واليمن وليبيا، خرج رجال الأسد وأعوانه ووسائل الإعلام الحكومى، ليكرروا الخطيئة ذاتها، مؤامرة خارجية، قلة مندسة تعمل لصالح أجندات خارجية ، تريد النيل من سوريا ، تهديد بالقاعدة والجماعات الأصولية. اتهامات وجهت من قبل للثورتين التونسية والمصرية، وهى فى مجملها تقوى من عزم وإصرار الثوار بسوريا على مواصلة احتجاجاتهم بعدما رأوا فيها طعنة فى وطنيتهم، وتحقيرا وتسفيها لمطالبهم المشروعة.
أجهزة الأمن السورية ووسائل الإعلام الحكومية من جانبها، أبت ألا تسير على نفس الدرب، وعرضت على شاشات التليفزيون صورا لكميات كبيرة من الأموال والأسلحة، قيل إنه تم ضبطها بحوزة المتأمرين ،داخل المسجد العمرى بدرعا، وإنها تمكنت من اعتقال عدد من الأصوليين الذين يحرضون الجماهير، بعد مداهمة االمحتجين داخل المسجد.
حتى تكتمل فصول المسرحية، قامت السلطات السورية بالقبض على مهندس مصرى، يعمل فى قطاع النفط، ووجهت له تهمة التخابر مع إسرائيل ،للتأكيد على أن أيادى خفية تعبث بأمن دمشق، ثم عادت وأفرجت عنه لسببين ،أولهما أن القاهرة الثائرة كشرت عن أنيابها للدفاع عن حق وكرامة أحد أبنائها، وثانيهما أن السلطات السورية تخوفت من الآثار السلبية للاستمرار فى هذا المسلسل الهزلى، بعدما أدركت أن مثل هذا السيناريو لم يعد ينطلى على أحد.
واستمرارا لمسلسل الاهتداء بخطى السابقين ،خرجت مستشارة الرئيس السورى بثينة شعبان لتبشر السوريين بأن الرئيس سيخرج عليهم فى خطاب يحمل خطوات إصلاحية غير مسبوقة ،وأعقبها نائب الرئيس فاروق الشرع عشية الخطاب المرتقب أمام مجلس الشعب ليقول إن خطاب الرئيس المنتظر يحمل مفاجآت سارة.
خرج الأسد متأخرا ليخاطب الشعب ،وبدا كأنه يقرأ نسخة كربونية من خطابات "بن على" ومبارك والقذافى، حيث أكد أن سوريا ليست كالدول الأخرى، وأن بلاده تتعرض لمؤامرة تستهدف النيل من آخر جبهة صمود فى وجه إسرائيل فى المنطقة، وعاد الأسد ليقتبس من خطاب تنصيبه الأول وعود الإصلاح والانفتاح والحرية ومحاربة الفساد والتنمية الاقتصادية.
زادت حدة الاحتجاجات فى كل أنحاء سوريا عقب خطاب بشار، ولم يثن من عزم الثوار تغيير الحكومة السورية، وتشكيل لجنة للبحث فى إلغاء قانون الطوارئ، وإعلان الرئيس زيادة فى الرواتب والإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين.
لم يع الأسد ونظامه أن الثورة انطلقت فى سوريا لا ليسمع الثوار، كلمات عذبة تخاطب عواطف الجماهير، أو لتحصل على وعود وتعهدات بالإصلاح ملت الآذان سماعها طوال نصف قرن وأنها لم ترد أن تضيع فرصة تاريخية طال انتظارها، لتحرر إرادتها وتعيد إلى دمشق ربيعها المسلوب إن طوعا أو كرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.