شكلت الآراء السياسية للشاعر اللبناني سعيد عقل، الذي رحل عن دنيانا صباح اليوم الجمعة عن 102 سنة، الكثير من الانتقادات والغموض، خصوصًا تأييده الهجوم الإسرائيلي على لبنان عام 1982، نكاية في الوجود العسكري الفلسطيني المسلح على أراضيها.. وقد اتهم فيما بعدها بعدم الوطنية، وهوجم كثيرًا بسبب ذلك، ورفض البعض احتفال لبنان بعيد ميلاده المائة، وتكريمه من جانب القيادة اللبنانية. كما اتهموه بالخيانة إثر آرائه السياسية والمقابلات التي كان يجريها مع التليفزيون الإسرائيلي في مرحلة الثمانينيات، رافضين تكريم شاعر "لبناني" لشعره فقط، وغض الطرف عن مواقفه من العدو الإسرائيلي، واعتبروا هذا التكريم بمثابة تبرير من الدولة لمواقفه المخزية في دعم العدو الإسرائيلي في حربه على لبنان، الذي أوقع العديد من الضحايا اللبنانيين. ومن الوجهة الفنية الخالصة، يرى النقاد أن تجربة عقل الشعرية تمثلت في خلق كيان خيالي أبدي للبنان، مثلما نجح في بناء عمارته الشعرية الفذّة، واستطاع بشعره أن يكون مبتدأ كل الحضارات وكل القيم وكل العلوم، وأن يكون مركزًا للإشعاع، بخلقه تاريخًا أسطوريًا وإنسانيا للبنان. بدأ سعيد عقل حياته شاعرًا كبيرًا بمسرحيته الشعرية المستوحاة من التّوراة "بنت يفتاح"، وبدأ مرحلة النُّضْج" وهي "مرحلة الخُماسِيَّات" التي انحاز فيها إلى التأمل الديني والفلسفي في الكون والطبيعة، والتفكر في الوضع الإنساني، كما تمعن أيضًا في المجالات الأدبية التقليدية: الحب والفخر وتمجيد الأنا، ويرى النقاد أن "الخماسية" تعد شكلا شعريًا ثابتًا، استطاع عقل أن يعرض من خلاله أفكاره ومشاعره. وصل عقل إلى مجده الأدبي من خلال مشروع تحدٍ لتثوير اللغة الأبجدية، إذ اختار الكتابة باللغة العامية اللبنانية، واستنبط لها أبجدية خاصة مستوحاة من اللاتينية، وأنشأ عقل "جائزة سعيد عقل" في مناسبة احتفاله بعيد ميلاده الخمسين عام 1962، ويقدمها إلى الفنانين والعلماء العاملين على تطوير الفنون والعلوم في بلاده. قدم سعيد عقل مجموعة من القصائد الرومانسية، وغنى له العديد من الفنانين، أبرزهم الفنانة فيروز التي اختارت مجموعات رائعة من شعر سعيد عقل، وكانت أهم هذه الأغنيات من ألحان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب "مرّ بي يا واعدًا وعدًا". كما غنت له "أجراس العودة، والأردن، وأمي يا ملاكي، وبحبك ما بعرف، ودقيت، وردني إلى بلادي، وسائليني، وشال، و شام يا ذا السيف، وغنيت مكة، وفتحهن علي، و قرأت مجدك، والقمر، ولاعب الريشة، ومرجوحة، ومشوار، ومن صوب بيتكم، ونسمة من صوب سوريا، ويارا". ولد عقل في 4 يوليو عام 1912، في محافظة البقاع اللبنانية، وعمل في التعليم والصحة، وكان مؤسسًا لحزب التجديد اللبناني، ولقب بالشاعر الصغير، وتوفي صباح اليوم الجمعة يوم 28 من نوفمبر 2014، وسيظل في نظر أصدقائه (وحتى خصومه) من الشعراء البارزين في العالم العربي، خصوصًا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :