من يقرأ صفحات جريدة الأهرام صباح يوم 5 أكتوبر 1973، يكتشف أن كتابها ومحرريها كان لديهم شعور داخلي بأن شيئا ما سيحدث غدا. فقد شعرت قلوبهم قبل أقلامهم بأن موعد رد الكرامة قد اقترب، شمت أنوفهم رائحة دماء كانت تتدفق في عروق جنود مصر لتدفعهم إلى رد أرضها المغتصبة. و بالطبع لم يكن من كتاب الأهرام وفريقها الصحفي من يعلم بموعد الحرب سوى رئيس التحرير محمد حسنين هيكل، أما بقية الكتاب فسيطرت على أقلامهم كتابات تبشر الشعب البائس بالأمل في أن التاريخ سيشهد على قدرة المصريين والعرب في رد اعتبارهم. نشرت الصفحة الأولى للأهرام في هذا اليوم (يوم 5 أكتوبر 1973) عددا كبيرا من الأخبار التي تدلل على شدة التوتر الذي تشهده الحدود بين إسرائيل وعدد من الدول العربية المجاورة لها، وتدلل أيضا على سخط العالم على أفعال إسرائيل بالمنطقة، ومن تلك الأخبار مانشيت الأهرام :"توتر حاد على الجبهة السورية يهدد بالانفجار في أي وقت" وعنوانا تحته : "الحشد الإسرائيلي على الخطوط يتزايد بشكل خطير تحت مظلة مستمرة من الطيران فوق المنطقة كلها" وآخر يدعو قوات سوريا لمهاجمة إسرائيل وكان "القوات السورية تقف مستعدة لرد أي هجوم". لم تنس الأهرام في هذا اليوم أن تبشر القاريء بأن العالم كله أصبح ينبذ رائحة إسرائيل الكريهة ومن تلك الأخبار ما حمل عنوان" المستشار النمساوي يسأل جولدا مائير " ماذا أنت فاعلة باللاجئين الفلسطينيين " ودللت على أسلوب الصهاينة في المراوغة العالمية بعنوان آخر هو" تل أبيب تعبيء لحملة دولية جديدة ضد النمسا" وكاريكاتير لصلاح جاهين في الصفحة السابعة عن قيام جولدا مائير بتلفيق الشكاوي ضد المستشار النمساوي الذي هاجم سياساتها وقال جاهين ساخرا على لسان مائير" ده حتى ما هانش عليه يبوسني...وسلم عليا بس" حملت عناوين الصفحة الأولى أيضا ما يؤكد تزايد الحملة العالمية ضد إسرائيل مثل" رومانيا لا تقدم تسهيلات مرور لليهود المهاجرين من الاتحاد السوفيتي إلى إسرائيل" و" إلغاء الإفراج عن الإسرائيليين المعتقلين في حادث اغتيال مواطن مغربي بالنرويج"، ولم تغفل الأهرام في عناوينها توضيح ضعف أمريكا من ناحية نقص الطاقة لتكشف للعرب أن في أيديهم سلاحا يمكن استغلاله لمحاربة الدعم الأمريكي لإسرائيل فكان العنوان"أزمة الطاقة في أمريكا تهدد شركات الطيران" وعنوان آخر يدلل على قوة العرب العالمية وهو"اليابان لن تقاوم رغبة الدول العربية في تسديد ثمن البترول بالين"ولم تنس الأهرام أيضا أن تنشر عنوانا مراوغا لا يوحي بأن هناك أي تفكير مصري في القتال بل التركيز كله على المفاوضات والمناقشات وكان العنوان هو"وزير خارجية أمريكا يجتمع بنظيريه المصري والإسرائيلي" وعنوان آخر يدلل على مشاكل أمريكا مع العالم وهو"أمريكا تحاول تذليل صعوبات علاقاتها مع دول أوروبا" ومن المقالات المهمة التي استشعر فيها كتاب الأهرام قرب المعركة مقال الدكتور لويس عوض في الصفحة الخامسة بعنوان"تاريخنا القومي" وكانت مقدمته "أنه بعد هزيمة 67 الكل يسأل ماذا جرى ولماذا جرى وكيف النجاة" وجاء في المقال:إن التاريخ شهد هزائم كبرى للعرب والمسلمين إلا أنه يشهد أيضا على أننا استطعنا رد الاعتبار وتحقيق الانتصار في كثير من المعارك. ومقال آخر في الصفحة السابعة للدكتور عبد العزيز قابيل بعنوان" المعركة والبناء في التطور التاريخي" وحمل نفس فكرة المقال السابق للدكتور لويس عوض. وفي يوم المعركة تصاعدت أزمة بيع تذاكر الطائرات في السوق السوداء ، حيث تزايدت هذه الأزمة في شهور الصيف خلال تلك الفترة ، بسبب توافد أكثر من 240 ألف سائح عربي إلي مصر ، الأمر الذي استلزم استخدام أكثر من نصف هذا العدد في الطائرات كوسيلة للسفر ، ورصد التحقيق عن وجود أزمة حقيقية في شركات الطيران بسبب عدم الموافقة لشركات الطيران الأجنبية بفتح بعض الخطوط الجديدة إلي مصر وذلك لحماية الشركات المصرية من المنافسة من نظيرتها الأجنبية . تقرر قبول ألفي طالب من خريجي الثانوية العامة والأزهرية بمعهد أمناء الشرطة . والطريف أن الطقس في هذا اليوم تشابه مع درجة حرارة الجو الآن حيث سجلت الأرصاد الجوية ارتفاعا في درجاتها بالقاهرة والإسكندرية بلغت 31 درجة مئوية . أما في يوم 7 أكتوبر فقد تم رصد توقف الدراسة بالمدارس الابتدائية والإعدادية والخاصة واللغات لمدة أسبوعين، والملفت للانتباه أن القرار لم يشمل هيئات التدريس والنظار والمدارس الثانوية. وبالنسبة للمحلات العامة والمقاهي ودور السينما والمسرح فتقرر انتهاء العمل بها في تمام الساعة الحادية عشر مساء . ونظرا لظروف الحرب فقد تقرر توزيع السكر الحر والشاي بأسعاره علي البطاقات التموينية علي أساس 50 % من المقررات التموينية مع تحديد حصة لكل محافظة أما اللحوم فقد تم تخصيص يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع لبيعها ، علي أن يقتصر الذبح علي يومي الخميس والجمعة . أما هواة متابعة الرياضة ، فلم يكن لهم نصيبا في متابعتها، حيث تم تأجيل الدوري لمدة أسبوعين ومناشدة الأندية المشاركة في الواجب الوطني.