أثار تسرب بعض وثائق أمن الدولة على موقع الفيس بوك خلال الأيام الماضية ردود أفعال متفاوتة فى أوساط المواطنين. فهناك من طالب بنشرها، وفضح جهاز أمن الدولة والمتعاونين معه. وهناك من رفض حفاظًا على حرمة المواطنين وعدم إثارة الفتنة فى البلاد. وقد دفع ظهور وثائق انتقامية مزورة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى مناشدة المواطنين بعدم نشر أى وثائق مهما كانت أهميتها. وتمت مناشدة المواطنين بتسليمها إلى جهات الاختصاص. المشكلة أن اقتحام مقرات أجهزة أمن الدولة من قبل متظاهرين وفى أماكن مختلفة، أفضى إلى قيام مجموعة من الشباب بإنشاء صفحة لتجميع الوثائق تحت اسم" الصفحة الرسمية لنشر وثائق أمن الدولة "، أسوة بموقع ويكيلكس المتخصص فى نشر الوثائق، الذى تردد أنه عرض على المسئولين فى الموقع التحفظ على الوثائق التى قام ضباط أمن الدولة بفرمها، مع وعد بإرسال أجهزة وبرامج متقدمة لإعادة تجميعها مرة أخرى ، على غرار ما حدث مع دولة ألمانياالشرقية قبل إعادة توحيدها مع ألمانياالغربية . كشفت المستندات المتداولة على الإنترنت والتى لم يثبت صحتها تماما حتى الآن، عن إدانة أو على الأقل توجيه أصابع الاتهام لبعض الشخصيات الإعلامية والسياسية. فضلا عن إشارات متباينة لتورط عدد من كبار رجال الدولة فى صفقات فاسدة أو مشبوهة. الأمر الذى ترتب عليه حدوث ضجة فى المجتمع ، تنذر بتصاعد حاد للخلافات والتوترات بين قطاعات واسعة من المواطنين. تسببت مناشدات المجلس الأعلى للقوات المسلحة لوسائل الإعلام بعدم نشر مثل هذه الوثائق لإضرارها بأمن البلاد، فى حدوث انقسامات واسعة، خاصة فى صفوف الشباب، الذين نادى عدد كبير منهم بنشر الوثائق المتعلقة بكشف تورط هذا الجهاز في إرهاب وترويع البلاد، على اعتبار انتفاء وجود أهداف سياسية أو مصلحة شخصية من نشر الوثائق تخص أشخاص بعينهم. وإنما الهدف هو إظهار الحق وفضح الباطل . فى المقابل عارضت فئات من الشباب نشر وثائق أمن الدولة بحجة أنها تضر بمصالح البلاد. وهو ما قد تستغله بعض الدول الأجنبية . علاوة على استبعاد أن يتم تزوير بعض المستندات لتصفية خلافات شخصية معينة. بوابة الأهرام سألت الدكتور محمد مجاهد الزيات نائب رئيس المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط عن الشق الأمنى فى المسألة، فقال إن ما حدث لاقتحام مقرات أمن الدولة، كان بمثابة سيناريو متوقع من بداية الثورة، خاصة بعد إصرار المواطنين علي حل جهاز أمن الدولة. وفي اعتقاده أن حل الجهاز غير مقبول، وأن المطلوب فقط ترشيد استخدامه ، مضيفا أنه منذ السبعينيات تم تغيير مهام أمن الدولة ليصبح مسئولا عن أمن النظام وليس أمن الوطن. فى تقدير الدكتور الزيات الخبير فى الشئون الأمنية أن طبيعة الوثائق التي تم نشرها لا تضر بالأمن القومي، لاسيما أن كل ماتم نشره الآن خاص بشخصيات إعلامية وسياسية وحزبية وأن الضرر الوحيد هو كشف زيف بعض الشخصيات التى ظلت الناس لفترات طويلة. نبه الدكتور مجاهد الزيات إلى خطورة تسرب ملفات أمنية تتعلق بالأمن القومي، مثل ملفات مقاومة التجسس ومتابعة النشاط الأجنبي والجريمة المنظمة والإرهاب والنشاط الهدام. فى هذه اللحظة يكون منع النشر فرضا على كل المواطنين. وهنا ناشد الدكتور الزيات الجميع بأهمية تسليم أى وثائق من هذا النوع إلي الجيش. يتفق أيمن السيد عبد الوهاب الخبير فى شئون المجتمع المدنى مع ما ذهب إليه الزيات، مؤكدا ضرورة التعامل مع وثائق أمن الدولة بشىء من الحرص والتدقيق، لما فيها من إضرار بالأمن العام ، بالإضافة إلى أنها تزيد من أجواء التوتر، خاصة فى مرحلة التغيير التى نحتاج فيها إلى بناء الوطن وليس هدمه. مشيرا إلى أن فوائدها أقل من أضرارها بكثير. فى اعتقاد عبد الوهاب أيضا أن اقتحام مقرات أمن الدولة خطأ من البداية، لأن ثقافة الانتقام، كانت هى الغالبة فى كل التصرفات التى ظهرت فى هذا المجال، نتيجة تراكم ما فعله ضباط هذا الجهاز مع كثير من المواطنين. وتمنى لو أن القوات المسلحة والنائب العام شرعوا فى عمل محاكمات شعبية كبديل عن اقتحام المقرات وتسريب أوراق هامة وصلت إلى الشارع فى وقت بالغ الحساسية. ناشد عبد الوهاب الجميع، من أجهزة أمنية ومواطنين، التعامل مع هذه الوثائق بالعقل والرشد، خاصة فى ظل عدم وجود ضامن لصحة هذه الوثائق وقابليتها للتزوير بسهولة ، ورغم ظهور الكثير من الوثائق إلا أن عبد الوهاب يرى أن هناك العديد من الوثائق فائقة الأهمية لم تظهر بعد. إذا كانت الدواعى الأمنية والسياسية أكدت الحذر عند التعامل مع وثائق أمن الدولة، فإن الدوافع الاجتماعية تفرض التريث الشديد قبل نشر هذه الوثائق التى تختلط فيها الحقيقة بالخيال. وفى الحالتين سيكون لها تأثيرات مجتمعية عميقة. الدكتورة سامية الساعاتي أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس وعضو المجلس الأعلي للثقافة، ترى أن اقتحام مقرات أمن الدولة وظهور هذه الوثائق سيكون له تأثير واضح علي المجتمع المصري بأكمله. فى مقدمتها ترسيخ عدم الإحساس بالأمان واختفاء التطلع إلي الغد. وأضافت الساعاتى أن التركيز على هذه التطورات، يمكن أن يؤدى إلى نتائج سلبية تضرب جوانب مختلفة من قوى المجتمع الأساسية. وعن انكشاف رموز المجتمع أمام المواطنين، أكدت الساعاتي أن المجتمع المصري ذكي، وأن زيف الرموز كان يراه منذ فترة طويلة، لكن ماحدث أنهم عرفوا عدم وجود شخص كبير لا تطاله الإدانة، وأن البشر كلهم لديهم أخطاء مهما كان وضعه أو منصبه.