بكلمات تصطحبها الدموع وتأبى النزول على الجبين، رصد أطباء ليبيون مأساة شعبهم، أفكارهم مشتتة، بين المرتزقة والقذافي ورجال الشرطة تنوعت اتهاماتهم، رصدوا حرائق الجثث، وحرق المستشفيات، وسرقة القتلى من المستشفيات، ومستقبل الغموض الذي يحيط بالشعب الليبي. هؤلاء الأطباء كانوا أول الليبيين المغتربين عن وطنهم الذين استطاعوا الدخول لبلدهم، نظموا بعثة طبية من بريطانيا حيث مكان عملهم، تركوا عائلاتهم كى ينضموا إلى ثورة شعبهم ، دخلوا إلي بني غازي، وقصدوا مستشفي الجلاء ببنغازى، منها أرادوا توثيق ثورتهم والمشاركة فيها بكل ما يملكون. أول هؤلاء الدكتور رمضان محمد عطيوة جراح قلب ورئتين وصل إلي ليبيا عن طريق الحدود المصرية الليبية يوم الثلاثاء 17 فبراير فقرر أن يدخل الي مستشفي الجلاء للحوادث بمنطقة بني غازي الليبية، يرصد مشاهده منذ هذه اللحظات قائلا: بمجرد دخولنا المستشفي وجدنا حجرات العناية المركزة التي بلغ عددها بالمستشفى 10 حجرات يرقد فيهم مئات المواطنين الليبيين الذين تم ضربهم من جانب قناصين بالرصاص الحي فى الرأس والرقبة والصدر. الطبيب الليبي ببعض التفسير لموقف هؤلاء القناصة يشرح أن الاوامر صدرت للقناصة بقتل المتظاهرين وليس تعطيل وإعاقة المتظاهرين. أنهى الدكتور رمضان شهادته بأن ما حدث تجاه المتظاهرين من جانب الموالين للقذافي أمر غير إنساني بالمرة "ويقطع القلوب". لكنه سرعان ماحاول الخروج من حزنه مبتسما وقال:ثورة الليبيين كانت يوم 17 فبراير وثورة المصريين كانت 25 يناير ولو لم تنجح ثورة المصريين لما قامت ثورة الليبيين، فلو كان الرئيس السابق حسني مبارك مازال موجودا كان سيغلق معبر السلوم. من بريطانيا وصل الدكتور أبو بكر البدرى إلى طرابلس ليحضر ثورة بلاده ليبيا، وقال عندما وصل مع أحد المصابين الى مستشفى السلوم المركزى إنه لم يكن يتوقع مارأي لأهل ليبيا. وتساءل فى غضب عارم: كيف للقذافي أن يضرب شعبه بمضادات للطائرات؟ كيف لنا أن نري تلك الكميات من الجثث المشوهة؟. لقد وصل لدينا أكثر من ألفي مصاب لم نجد لهم أماكن لعلاجهم، بخلاف الشهداء –في بني غازي فقط – وكنا نحسب كل يوم عدد الشهداء الذين جاءوا جميعهم مقتولين بالرصاص الحى ، وفى أول يوم للثورة فى بنى غازى أحصينا 32 شهيداً وفي اليوم التالي رصدنا 47 شهيداً وفي الثالث 41 شهيداً وفي اليوم الرابع75 شهيداً وفي اليوم الخامس12 ويوم 22 فبراير رصدنا مايقرب من 30 – 35 شهيدا. هذا بالإضافة إلي 8 جثث لشهداء لم نتعرف علي هويتهم لأنهم كانوا مضروبين بالرصاص ومحروقين ونحن نتوقع أن جثث هؤلاء تخص جنود ليبيين رفضوا ضرب النار علي الثوار فقام المرتزقة بقتلهم وتشويه جثثهم بعد الموت . عن حال المستشفيات فى ليبيا، حكى الدكتور أبو بكر بنبرات حزينة أن المرتزقة التابعين للقذافى قاموا بإشعال النيران فيها أمام أعين المواطنين وقاموا بإحراق سيارات الاسعاف وكان بها بعض المصابين القادمين من المستشفى لكن وقف المواطنون أمام هذه الأعمال الاجرامية مكتوفى الأيدى خوفا من بطش المرتزقة بهم وقتلهم رميا بالأسلحة التى كانوا يدخلون بها المستشفى أمام أعين الجميع. الدكتور سراج الدين الجنين طبيب العظام الليبى رصد شهادته متحدثا عن أطباء مصر الذين كانوا يبيتون فى مجمع التحرير بالقاهرة. وأراد أن يساهم بكل مايملك فى ثورة شعبه عندما قررأخذ إجازة مفتوحة من عمله في المستشفي ببريطانيا وجاء الي مصر ليدخل ليبيا عن طريق الحدود المصرية الليبية. الدكتور سراج الدين ترك عائلته فى بريطانيا وجاء ليؤدي واجبه الإنساني والوطني ،بصفته طبيب من واجبه الوطنى إنقاذ أي مريض فى بلده مهما كانت جنسيته فهو لم يستطع الوصول إلي أهله بالقرب من طرابلس وقرر البقاء في بني غازي وطبرق يعالج المرضي في المستشفيات. قال عن مشاهداته فى هاتين المنطقتين(طبرق وبنى غازى) إنه في الأيام الأخيرة كانت معظم الحالات كانت كسورا وإصابات واختفت حالات الوفاة ، أصبحت حالات وفاة بسبب شدة الإصابات ، مشيرا إلي أنه كان هناك نقص شديد في الأدوات . عند هذه الشهادة قاطعه زميله الدكتور أبو بكر ليحكي في مأسوية عن المرتزقة وما فعلوا في المستشفيات ، حيث كانوا يأخذون الجثث من المشرحة ويحرقونها ، ولم يقتصر الأمر علي ذلك فرغم أن هناك احتياجا شديد الأكياس الدم ، هاجم المرتزقة بنوك الدم بالمستشفيات وسرقوا أكياس الدم من البنوك ليرمونها في الزبالة . لم ينس الدكتور أبو بكر أن يذكر دور الأطباء المصريين والقوافل التي نظموها وذهبوا هناك الي ليبيا مؤكدا أنهم ساهموا بالكثير، سواء بمجهودهم الطبية أو بالمساعدات التي نقلوها ، مؤكدا أنه قابل ما لايقل عن 500 طبيب مصري وعاد ليقول إن المنفذ الوحيد للمساعدات كان معبر السلوم لأن حدود ليبيا مع تونس يصعب الدخول منها، لذا لم يتواجد سوى الأطباء المصريين والليبيين. هؤلاء الأطباء الذين وصلوا الى مستشفى السلوم المركزى كانوا يصطحبون زميلا لهم أصيب بانهيار عصبي حاد جراء ما رأي من مشاهد للموتى والمصابين في ليبيا، كان يهتف بين الحين والاخر يسقط القذافي ، القذافي عدو الله.