لم يكن يتخيل حينما ذهب لتغطية أحداث المصريين العائدين من ليبيا أنه سيستطيع الدخول والخروج من وإلى الأراضي الليبية حتى بدون جواز سفر عادي، حيث أن مهمته لم تكن تستدعي ذلك الأمر ولكن سخونة الأحداث هي التي دفعته إلى خوض هذه المغامرة.. تصوير: محمد عبده كلامنا عن مصور الأهرام محمد عبده الذي تحدثنا معه حول كواليس هذه المغامرة التي استغرقت 13 يوما قضاها ما بين المعبر والمدن الليبية التي أستقر فيها، وحكاية الضابط الذي فتح مخازن السلاح للثوار الليبيين والذي أمر القذافي في إحدى خطاباته بإعدامه، ورصده لمجزرة ضرب التي نتجت عن ضرب قوات القذافي لإحدى مخازن السلاح وما نتج عنها من تفحم جثث الثوار، وصولا إلى رحلة العودة وكيفية خروجه التي كانت مفاجأة هو نفسه لم يتخيلها! المهمة كانت مهمتي في البداية هي تغطية أحداث عودة المصريين من ليبيا من خلال معبر السلوم ، فذهبت إلى هناك وبالفعل بدأت أغطي ما يجري أمام المعبر وعلمت من العائدين أن سخونة الأحداث هناك وصلت إلى ذروتها وكان ذلك يوم ، فمكثت أمام المنفذ يومين حتى علمت أن قبائل البدو في مطروح يقومون بجمع التبرعات من رجال الأعمال والأهالي ويقومون بإدخال سيارات مساعدات إلى ليبيا حيث أن بعض هذه القبائل لها أصول في ليبيا والعكس، ومن هنا أتت فكرة الدخول معهم في سياراتهم حيث كان فضولي الصحفي يحثني على الدخول لتغطية ما يجري هنا ولكن عدم وجود جواز سفر بحوزتي كان يمثل لي عائقا كبيرا، وبالفعل بعدما اتصلت بالجريدة لأبلغهم بما سوف أفعله أسطعت التسلل إلى ليبيا وكان الملفت أن المعبر من الناحية المصرية كان مؤمنا من قوات الجيش المصري أما من الجانب الليبي لم يكن عليه أية عناصر أمنية والتي مهمتها ختم جواز السفر كإثبات الدخول إلى الأراضي الليبية ولكن هذا لم يحدث! طبرق بعد أن قطعت 170 كيلو مترا من الحدود وصلت إلى مدينة طبرق والتي كانت الحالة فيها مستقرة، واستقبلتنا هناك القبائل الليبية التي تنتمي لنفس قبائل مطروح في ساحة كبيرة استوعبت ما لا يقل عن 80 سيارة مصرية حيث رصدت عملية التسليم، وهنا قررت ألا أعود مرة أخرى مع سيارات المساعدات وأن أكمل مشواري إلى الداخل، فقضيت الليلة في بيت عمدة طبرق الذي لا تستطيع أن تفرق بيته عن بيت أي مواطن ليبي، حتى قابلت عادل الدرفيلي وهو ضابط الشرطة الذي فتح مخزن السلاح إلى الثوار الليبيين والذي بعد أن كشف أمره أمر القذافي بإعدامه في خطاب تلفزيوني، وهو الذي تطوع بأن يسهل لي عملية الانتقال إلى مدينة البيضاء. البيضاء وصلت إلى البيضاء في صحبة الضابط بعد أن قطعنا مسافة تقدر بحوالي 300 كيلو متر، وهي المدينة التي حدث فيها أول مظاهرة في ليبيا، وهناك قابلت أسرة أول شهيد في الثورة الليبية، كما قمت برصد المصابين في مستشفى البيضاء العام، وأكثر ما لفت انتباهي خلال اليومين اللذين قضيتهما هناك أنه لم يصبح في هذه المنطقة أي شئ يعبر عن وجود حكومة أو أمن حيث وجدت أن كل الناس متعايشة مع الوضع بدون نظام والكل يعتمد على اللجان الشعبية المسلحة تسليح كامل لدرجة أن أحد المواطنين الليبيين حينما علم أنني مصور صحفي مصري قرر أن يهديني سلاح أر بي جي ومعه أربعة قذائف ولكني رفضت أن آخذهم، كما لاحظت أنه لا يوجد في منطقة شرق ليبيا بأكملها أي أحد من أنصار القذافي، وبقيت في البيضاء منتظرا لشرطي آخر كانت مهمته نقلي إلى بني غازي. بني غازي بمجرد أن وصلنا إلى بني غازي قام هذا الشرطي بتسليمي لأحد أصدقائه وتركني بعدما قال أنه سوف يذهب ليسلم نفسه إلى الجهاد بعد أن أخذ سلاحه وذخيرته من بيته الذي كان أشبه بمخزن للسلاح، وأتجه مع المجهادين لمحاولة دخول رأس لانوف و سرت حيث أن الهدف هو الوصول إلى طرابلس، واكتشفت أن بني غازي هي مركز مجلس قيادة الثورة حيث يمكثون في مبنى مجمع محاكم بني غازي الذي بعد أن أحرقوه قاموا بترميمه واتخذوه مقرا لهم، كما قاموا بإنشاء مركز إعلامي خاص بهم لتدعيم الإعلاميين بأخبار الثورة كما أصدروا من هناك جريدة ليبيا الحرة التي يطبعونها على حسابهم الشخصي، ورصدت هناك خلال سبعة أيام قضيتها بالمدينة كيف كان القذافي يضرب الثوار بوحشية حيث كان يضربهم بالرصاص ذات حجم 14.5 المضاد للطائرات، حيث كانت قواته توجه المدافع بشكل أفقي وتفتح النار على الثوار، وهو كان السبب الأدعى بأن يكون أول شئ يفعله الثوار الدخول على مخازن سلاح الجيش والشرطة، فتجد سيارات الأهالي محملة بالمدافع للدفاع الشخصي عن أنفسهم. أجدابيا خلال إقامتي ببني غازي في بيت أحد المواطنين الليبيين، كنت أذهب إلى مدينة إجدابيا لرصد الضرب المتبادل بين قوات القذافي والثوار، وكانت السيطرة متفاوتة فأحيانا كان الثوار يسيطروا على أجدابيا ويدخلوا حتى مدينة رأس لانوف، وفي أحيان أخرى قوات القذافي هي التي تسيطر، ولكن أكثر ما لفت أنتباهي أن القذافي يستعين بقوات من المجندين الأفارقة حيث أستطاع الثوار بالقبض على بعضهم أحياء وسلموهم لقوات جيش الثورة المنفصلين عن جيش القذافي، ولكن أصعب ما في الموضوع حينما قامت قوات القذافي بضرب أحد مخازن السلاح في أجدابيا، وتم نقل الجثث إلى بني غازي وكان المشهد هناك فظيع فكانت بعض الجثث ليست كاملة ولا يوجد لها ملامح، ورصدت أيضا مشهدا مؤثرا حينما أتت أهالي الشهداء لاستلامهم من المشرحة، ثم توجهت لرصد مظاهرة أهالي بني غازي أمام مجمع المحاكم التي تلاها صلاة الجنازة على أرواح الشهداء. قرار العودة أخذت قرار العودة لمصر وكان القرار أن نعود دون مباشرة حيث أستأجرت سيارة قطعت بها مسافة 950 كيلو مترا، وكانت الخوف من أني لا أستطيع الدخول إلى مصر لعدم وجود جواز سفر بحوزتي وبمعنى أدق ليس لدي ما يثبت أنني دخلت إلى ليبيا من الأساس، ولكني أضررت لأن أبيت ليلة في طبرق حتى لا ندخل على المعبر أثناء الليل، وفي الصباح كانت المفاجأة ..حيث أني نزلت من السيارة وترجلت على قدمي وعبرت من المعبر الذي كان جواز مروري منه أني قلت لقوات الأمن المصرية السلام عليكم ..فقالوا لي : وعليكم السلام!