يبدو، فعليا، أن مصائب قوم عند قوم فوائد، كما يقول المثل الشعبي المعروف، فمع ظهور وإنتشار أعمال العنف والبلطجة على هامش "الثورة"، ومع فتح السجون وخروج محترفي الإجرام وانتشار عبارة "على الفرد أن يحمي نفسه بنفسه"، كان-لابد- على كل شخص أن يحمي نفسه بنفسه ولو بوسائل تقليدية معروفة كغلق الأبواب ب"الترابيس" أو شراء أبواب حديدية للشقق والعمارات والمستفيد الوحيد هو "صانع الأبواب" . منذ أكثر من ثلاثة أسابيع أحكمت معظم العمارات إغلاق أبوابها الحديدية "الجديدة"، رغم أنها ظلت لسنوات دون أبواب. لكن "الخوف" كما يقول البعض، هو الذي دفعهم لإنفاق الأموال وهم فى أشد الحاجة إليها لشراء تلك الأبواب والحفاظ على حياتهم. تقول فاطمة نصير، سيدة فى بداية الأربعينيات، إنها تسكن فى حي المرج من أكثر من 20 عاما، ومع أحداث 25 يناير، وتحديدا بعد فتح السجون وغياب الأمن لجأ معظم الهاربين إلى تلك المنطقة. تضيف فاطمة "البلطجية إنتشروا فى الشوارع عندنا، وبقوا يهجموا على البيوت ويسرقوها". وتكمل "إحنا طول عمرنا معندناش باب للعمارة، وكل العمارات إللى حوالينا مفيهاش أبواب، هم عمارتين أو تلاته بس فى أول المنطقة إللى عندهم أبواب حديد"، تتابع فاطمة "خفنا أحسن حد يدخل يسرقنا أو يقتلنا، فجمعنا فلوس من بعضنا، كل عمارة جمعت لوحدها. وفى عمارتنا أخدوا من كل شقة 200 جنيه وإحنا 10 شقق فى العمارة وإشترينا أبواب حديد وقفلناها بالجنازير" . ويؤكد زين محمود، رجل فى منتصف الخمسينيات ، أن أسعار الأبواب "الفورفورجيه" إرتفعت جدا فى الأسابيع الماضية عن ذى قبل ، قائلا "من سنة ونص جارنا عمل باب حديد على شقته ب400 جنيه ، ولما جيت أعمل من إسبوعين لقيته ب700 جنيه" ، مضيفا "الصنايعية إستغلوا الظروف دي ورفعوا الأسعار جدا". من جانبه يؤكد عم سيد، صاحب ورشة حدادة ببولاق الدكرور، أن إنتشار السرقة والبلطجة هو موسم العمل بالنسبة له ، قائلا "من 3 أسابيع ولحد دلوقتى وإحنا الحمد لله بنشتغل كويس ، أصل موسم شغلنا فى أوقات القلق وإنتشار السرقة والنهب ، والناس بتيجي لنا نعمل لها أبواب حديد وشبابيك حديد ". يتابع "عندنا فى بولاق الدكرور شقق كتير إتكسرت فى غياب الأمن ، وزاد الطلب على الأبواب الحديد إللى على الشقق والشبابيك ، لإن عندنا أغلب العمارات عليها أبواب ، ومفيش غير كام عمارة ماكنش عندها أبواب وركبنا لها"، مضيفا أن فترة تصنيع الباب الحديد للشقة لاتزيد عن يومين أو ثلاثة فقط. يوضح: "الباب الحديد البلدى هو أغلب إللى بيتركب فى بولاق علشان الحماية ، بس سعره بيتراوح ما بين 700 جنيه و800 جنيه، لكن الباب الفورفورجيه بالديكور كحماية ومظهر بيوصل ل 1200 جنيه أو 1500 جنيه " ، مشيرا إلى أن باب العمارة الكبير يحتاج ما بين 10 إلى 15 يوم حتى يتم تجهيزه ، ويبدأ من 2000 جنيه وحتى 6000 جنيه. يضيف عم سيد "كان فيه برضه طلبات على أبواب المحلات ، لكن مش كتير زى أبواب الشقق إللى عليها إقبال كبير"، ويكمل "فيه محلات أبوابها إتكسرت وطلبت نعمل لها أبواب تانية فيه أبواب صاج عادية وإيطالي، بياخد صنع الباب يومين العادي ، لكن الإيطالي بياخد يوم واحد لإنه بيجي جاهز ، وبيتحسب بالمتر بيدأ من 100 جنيه وبيوصل إلى 200 جنيه، أما الأبواب الشبك المفرغة ، فيه محلات بتستخدمها للحماية ولعرض منتجاتها بتبقى أغلى شوية وبيبتدي المتر فيها من 120 جنيه لحد 200 جنيه "، وينفي عم سيد أن تكون الأسعار إرتفعت بسبب الظروف الحالية ، قائلا "الثورة جابت لنا شغل كتير ، والسعر راجع لضمير الصنايعي ، فيه ناس ممكن تستغل الظرف وترفع الأسعار ، لكن أنا بأراعي ربنا فى كل قرش بأكسبه ".