على مدار ثلاثين عاما احتجز اثنان من منعدمي الضمير ثلاث نساء مسترقات في منزل بالعاصمة البريطانية لندن، حيث تعرضن للضرب والإذلال والقهر. إن العبودية ما تزال مشكلة عالمية. في لندن ، هذه المدينة الكبيرة استعبدت ثلاث نساء على مدار ثلاثين عاما. كيف يحدث هذا؟ هذا سؤال يطرح نفسه اليوم بعد ذيوع الخبر الذي لا يكاد يطاق، خبر قادم من لندن. تلقي هذه الحالة ضوءا على العبودية كظاهرة في المجتمع المعاصر، ظاهرة كان يعتقد الكثيرون أنها وفقا لكلمات جيمس بروكينشاير، المسئول الأمني البريطاني البارز، صارت "جزءا من كتب التاريخ". وتقول رانيا الكدماني من مؤسسة ووك فري فونديشن الأسترالية التي تصدر سجلا لحالات العبودية في العالم: "برغم أن هذه الحالة في غاية السوء، إلا أنها لا تمثل إلا حالة فردية. يشير السجل إلى أن هناك 29 مليون شخص في العالم يعيشون بدرجة ما في ظروف يمكن وصفها بالعبودية: كالإكراه على العمل، والخدمة في البيوت وممارسة الدعارة. وتعتبر موريتانيا أكثر البلدان التي بها حالات كهذه، إلا أن الظاهرة معروفة أيضا في البلاد الأوروبية. وتأتي ألمانيا حسب ترتيب السجل في المرتبة 136 من بين 162 دولة يمارس فيها الرق، حيث يعيش فيها حوالي 10 آلاف شخص كالعبيد، بينما يصل العدد في بريطانيا إلى 4500 شخص. كانت إمارة قطر استحوذت مؤخرا على اهتمام الصفحات الأولى في الصحافة العالمية بسبب العمل القسري الذي يمارس فيها. وثمة مجموعة من الأسئلة التي لم تحظ بإجابة حتى اليوم الجمعة وهي كيف كانت تسير حياة هؤلاء النساء الثلاث على مدار ثلاثين عاما، كيف وقعن في قبضة معذبيهن المحتملين؟ وما الذي مروا به من عنف وآلام، وكيف لم تتمكن هؤلاء النسوة من الفرار قبل الآن؟ لقد وصفت شرطة سكوتلاند يارد حالة النساء الثلاث بأنهن كن لا يزلن يتعرضن للضرب والقهر لتحقيق التبعية العقلية بجلاديهن. إلا أنه لم يكن هناك دوافع جنسية أو تجارة بالبشر في هذه الحالة. تفرض الشرطة مظلة حماية صارمة على النساء الثلاث التي تصل أعمارهن إلى الثلاثين والسابعة والخمسين والتاسعة والستين بصورة لا تدع لأحد مدخلا إليهن، حتى إن الصحافة البريطانية المعروفة بإبداعاتها في التوصل إلى الأسرار لم تتمكن من الكشف عن سر المكان الذي تقيم فيه النساء الثلاث جنوب حي لامبيث في لندن الذي دارت فيه أحداث دراما احتجازهم على مدار عشرات السنين. وتتكشف بصورة كبيرة اليوم الجمعة حلقات الدراما التي ارتبطت بتحرير هؤلاء النسوة، حيث اتصلت إحداهن واسمها إيرين "57 عاما" بأحد الخطوط الساخنة لبرنامج تلفزيوني - وهو "عمل ينطوي على شجاعة كبيرة" كما وصفتها رئيسة مؤسسة فريدوم شاريتي الخيرية أنيتا بريم. وقالت بريم في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية: "هذه الحالة من أسوأ الأشياء التي سمعنا بها على الإطلاق". وكان من أشد المواقف المؤثرة عاطفيا خروج النساء الثلاث إلى عالم الحرية في الخامس والعشرين من تشرين أول/أكتوبر الماضي بعد أسبوع من تواصلهن مع البرنامج التلفزيوني. وأضافت بريم قائلة: "كان ابتهاج زملائنا في المؤسسة بهذا الأمر يمكن سماع آثاره في جميع أرجاء لندن". تعلقت كل من ذات السابعة والخمسين وذات الثلاثين من العمر بعنق بريم ، وكلتاهما حسب تقدير الشرطة قضت عمرها كله حتى الآن في هذا الأسر الرهيب، بينما أمكن تحرير الماليزية ذات التاسعة والستين عاما بعد ذلك بقليل. استغرق الأمر حوالي أربعة أسابيع حتى حصلت الشرطة على براهين كافية تتيح لها القبض على الزوجين اللذين مارسا عمل الزبانية المحتملين. إنهما زوجان كلاهما في السابعة والستين من العمر أفرج عنهما على ذمة القضية بكفالة إلا أنهما لم يعودا فيما يبدو إلى منزلهما المعتاد بعد التحقيق معهما، وهو المنزل الذي استغلاه على مدار عقود كسجن للنساء الثلاثة أما لماذا يفرج عنهما مقابل كفالة، فلم يعلم سبب ذلك حتى الآن. إلا أن من المعلوم أن الشرطة البريطانية ألقت القبض عليهما في 1970 ، ويحتمل أنهما أدينا بارتكاب جرائم أيضا خارج بريطانيا. وتقول المنظمة الخيرية إن مشكلة التجارة بالعبيد صارت عالميا أكبر من ذي قبل، مشيرة إلى أن حجمها زاد على الحجم الذي كان موجودا فترة إلغاء الرق بضعفين أو ثلاثة. ولأول مرة منذ 200 عام تتقدم الحكومة البريطانية ثانية بقانون لمكافحة الرق إلى البرلمان البريطاني، وهي تلبي بذلك على الأقل بعد المطالب التي تقدمت بها منظمات تعمل على حفظ حقوق ضحايا العبودية. ويطالب مشروع القانون بضرورة وجود مسئول حكومي مختص بشئون جرائم العبودية وإمكانية توقيع عقوبة السجن مدى الحياة على مرتكبيها.