جولة ميدانية بسيطة بين المقابر تجعلك تشعر بمدى معاناة سكانها الذين أجبروا على العيش مع الأموات. يقدر عددهم بالملايين، أبدانهم لا تعرف الراحة، مساكنهم لا ترى النور، وأفواههم لا تذوق مياهًا نقية، وما زالوا يوصفون ب"الموتى الأحياء". في تاريخه الشهير، يقول المؤرخ المصري "عبد الرحمن الجبرتي" الذي عاصر الحملة الفرنسية على مصر، إن نابليون بونابرت هو أول من أصدر مرسومًا يطالب فيه بإخلاء مقابر القاهرة من سكانها، ورغم مرور أكثر من قرنين على رحيل الحملة الفرنسية لا يزال الملايين يسكنون المقابر. في بداية جولة "بوابة الأهرام" في مقابر القلعة، صادفت سيدة عجوزًا تجلس على قارعة الطريق، اقتربت منها وأعلمتها بمهمتي الصحفية، وسألتها عن سبب جلوسها، فبادرتني: "تدفع كام؟"، وعندما سألتها كم تريد؟ قالت: "اللي تجيبه"، وقد كان. قالت العجوز: أعيش في المقابر منذ أكثر من ستين عامًا، فزوجي كان يعمل "تربيًا"، قبل أن يتوفاه الله، وكنت أساعده في تجهيز "الترب" والدفن، ومات تاركًا 8 أولاد ذكور، ورثوا مهنة أبيهم، وكنت أساعدهم وكنا "بنسترزق" من أهل المتوفى أثناء الدفن، وفي "المواسم" اللي الناس بيطلعوا فيها القرافة على الميتين، وأدينا عايشين.