في الشوارع الضيقة المتفرعة من ميدان العتبة يقف الباعة على أبواب محالهم يستعجلون حركة البيع والشراء قبل مواعيد بدء حظر التجول، لكن أحاديث السياسة ومشاداتها لا يتوقفان أبدًا؛ فقبل أن تشترى بضاعتهم يحاول معظم التجار أن يستشفون توجهك السياسى، وإن لم تبد أى حماس للحديث فى السياسة؛ يسألك مباشرة "إنت إخوان؟"، كثير من الناس يجيبون بالنفى، فيندمج البائع فى الفصال يتخلله تبادل سريع للآراء يؤكد فيه الجميع على أنهم "ليسو إخوانًا ولا يحبونهم"، هكذا استوطنت أحاديث السياسة أم أسواق مصر "منطقة العتبة". يضحك هانى البائع بمحل للأدوات المنزلية ويسأل السيدة الممسكة بطاقم أكواب سائلا إياها حين تزيد الفصال: "إنت إخوان ولا إيه يا حاجة؟" فتجيب بالنفى، يتبادل معها الشكوى من ضيق الوقت بسبب الحظر، يتفقان على سعر وينزلان إلى الكاشير. يقول هانى ردا على سؤال "بوابة الأهرام" إنه لن يمتنع عن البيع لشخص لمجرد أنه إخوان، فهذا المكان مفتوح لأكل العيش، لكنه لن يتبادل معه المزاح أو النقاش كما فعل مع السيدة، ف"هم لا يقبلون المزاح"، ويؤكد هانى أن بعض المحال لا تبيع للإخوان، ويتطور الأمر إلى مشاجرة كبيرة فى كثير من الأحيان. يظهر المشهد معكوسًا فى حالة اشتباه الباعة فى مشتر، إذ يروى عدنان محمد (مهندس 28 عامًا) أنه فوجئ بالبائع يسأله "إنت إخوان؟"، يقول :"لم أعطه ردا واضحا، لأنى استشعرت وراء السؤال حالة من التربص التى لن تسمح لى بالتعبير عن رأيى بحرية، ففوجئت به يقول: لن أبيع لك، فتركته ومضيت قبل أن يتطور الموقف إلى شجار". لا ينتمى عدنان إلى جماعة الإخوان ولا أى تيار إسلامى، لكن له تحفظات على ما جرى، ويرى كل الأطراف مذنبين، يقول إن هذا الكلام لن يفهمه بائع، فإما أنك معهم أو ضدهم لذا فهو لا يفضل الجدال فى الشارع، يقول عدنان "لم يعد الشارع آمن، وممكن تروح بلاش لو تطور النقاش". فى محال آخرى يسود الصمت، وقد علّق صاحبها لافتة "ممنوع الكلام فى السياسة نهائيا"، يقول العامل فى محل زمزم للأدوات المنزلية، دارت شجارات مع بعض الزبائن، فقرر صاحب المكان منع الكلام فى السياسة لأن هذا محل أكل عيش. ولم تكتف بعض المحال بمنع الحديث فى السياسة بل اجتهدت فى توضيح أنها لا تنتمى للإخوان، مثل محل محمود للمفروشات بمنطقة التربيعة المتفرعة من شارع الأزهر، إذ يدعو صاحبه السنى الزبائن لدخول محله وحين تجاهلته إحداهن قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله، يا ستى تعالى إحنا مش إخوان الله يرضى عليكى"، قالت السيدة "لا أريد الشراء"، فبادرها: "خدى فكرة فقط" صمتت السيدة ومضت بعيدا. يروى محمود أن كثيرًا من الزبائن امتنعوا عن دخول المحل نظرا لأنه ذو لحية، ويؤكد أن اللحية لا تعنى أنه إخوان وأن أكثر ناس تضرروا مما حدث هم السلفية وكافة التيارات الإسلامية، فالناس لا تفرّق بينهم. ومن جانب آخر حين حاولنا سؤاله عما إذا كان راضيا عن الأحداث السياسية أم لا؟، رفض محمود التعليق على أية أحداث سياسية، وقال بصرامة: هنا محل أكل عيش وأنا لا أخوض النقاشات السياسية.