لم يهدئ تبني مجلس الشورى للاقتراح المقدم من المؤسسة العسكرية لتأجيل تصويت العسكريين لعام 2020 من حدة الانقسام السياسي إزاء تلك المسألة، بل على العكس زاد منها. خطورة هذا الانقسام لم تعد في مدلولاته السياسية بين رفض وقبول بوصفه مخرجا للأزمة يرضى الجميع، وإنما أيضًا للشكوك حول إمكانية قبول المحكمة الدستورية لهذا التأجيل، لكون الحقوق لها صفة الإنفاذ السريع وليس التأجيل. ومن ثم تبدو إمكانية إجراء انتخابات مجلس النواب حسب التوقيت المعلن نهاية هذا العام تحيط بها شكوك كبيرة. على مستوى المؤسسة العسكرية وموقفها الذي اعتبره الكثير بمثابة حل وسط سياسي يلبي اشتراط المحكمة الدستورية للموافقة على قانوني انتخابات مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية، وفي نفس الوقت يراعي المخاوف الأمنية للعسكريين، اعتبر اللواء عادل سليمان الخبير بالشئون العسكرية ومدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية أن قرار مجلس الشورى بتأجيل تصويت العسكريين، حل وسط يراعي عدم حرمان مواطنين كاملي الأهلية من مباشرة حقوقهم السياسية، وتلبية مطلب الدستورية، ما يعني حسب توصيفه تجاوز الجدل إزاء المادة الخاصة بحرمانهم من التصويت بالانتخابات القادمة. وأضاف أن أسماء رجال القوات المسلحة والشرطة لم تكن مدرجة من قبل في قاعدة بيانات الناخبين، وهو ما يحتاج إلى وقت لإدراجهم، وإجراء ترتيبات فنية كبيرة تراعي الحساسيات الأمنية بوصفها أمر طبيعي، فالمهم الاستجابة لطلب الدستورية السماح له بالتصويت بالانتخابات، دور المؤسسات العسكرية والأمنية ترتيب وتنظيم هذا الحق دون الإخلال بمقومات الأمن القومي المصري، أو بهؤلاء العسكريين. أما على المستوى السياسي، فقد رحبت قوى التيار الإسلامي باستثناء الوسط بهذا المخرج السياسي لأزمة تصويت العسكريين ورجال الشرطة. وإن أكد الدكتور عصام شبل الأمين العام المساعد للحزب وعضو مجلس الشورى، على ضرورة قيام المحكمة الدستورية بتعديل قرارها بخصوص منح الجيش والشرطة حق التصويت، بعد طلب القوات المسلحة إرجاء التصويت بالانتخابات لعام 2020، إلا أنه في نفس الوقت اعتبر أن إقحام القوات المسلحة بالعمل السياسي تقويض للدولة ومنحهم حق التصويت سكون مجرد مسكن، مؤكدًا أن القوات المسلحة ترفض اختراق صفوفها وقوائم جنودها وإعلاء للمصلحة والأمن القومي. إزاء دستورية هذا التعديل أكد مختار العشرى، رئيس اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة، على دستورية قرار اللجنة التشريعية بمجلس الشورى، بإضافة نص الفقرة التالية، للمادة 18 من قانون مباشرة الحقوق السياسية لقيد الجيش والشرطة، بقاعدة بيانات الناخبين قبل الأول من يوليو 2020، مشيرا إلى أنه لا يوجد أي عوار دستوري كما رددت بعض القوى السياسية. واتفق معه هذا التكيف القانوني المستشار بهاء أبو شقة الفقيه القانوني ونائب رئيس حزب الوفد، مؤكدًا أن المجلس بهذا التعديل الجديد، أعلن تمسكه بحكم المحكمة الدستورية الخاص بتصويت العسكريين، ولكن أجل تنظيم الحق الدستوري الخاص بالتصويت في الانتخابات إلى 2020 وهذا أمر لا يتعارض مع الدستور. وأضاف أن الدساتير بدول العالم تنص على الحقوق، وتترك للقوانين والهيئات عملية تنظيم هذه الحقوق، نظرا لأن إدراج أسماء العسكريين في قاعدة بيانات الناخبين يتعارض مع الأمن القومي تقرر تأجيل تصويتهم حتى تتمكن الدولة من تنظيم هذا الحق. كما أوضح أبو شقة أن موافقة اللجنة التشريعية بالشورى على طلب وزارة الدفاع تأجيل تصويت العسكريين لعام 2020 سيجعل قانون الانتخابات دستوريا لاعتبارات تنظيم حق التصويت بعد إلغاء مادة حرمانهم من ممارستهم حقهم الطبيعي بممارسة حقوقهم السياسية بما فيها الاقتراع بالانتخابات العامة. إلا أن الدكتور عبد الله المغازي أستاذ القانون الدستوري والمتحدث الإعلامي باسم حزب الوفد، خالفهما الرأي وأكد أنه من الممكن أن تعترض المحكمة الدستورية العليا على تأجيل تصويت العسكريين لكون ذلك يُعد وفقًا لإحكام الدستور إخلالا بمبدأ المساواة وتعطيلا لمادة دستورية هامة تتعلق بحرية الرأي والتعبير. وقال المغازي في تصريحات لبوابة الأهرام، إنه كان من الأفضل من جهة نظرنا في حزب الوفد وضع ضوابط صارمة لتصويت العسكريين ورجال الشرطة تتضمن الحفاظ علي الأمن القومي للبلاد، فيتم تلبية هواجس المؤسسة العسكرية وإنفاذ قرار الدستورية. وأضاف المغازي: لا أرى مبررًا للتخوف من تصويت العسكريين طالما أن هذه الضوابط تتضمن لنا بأن أصواتهم لن تتجاوز صناديق الانتخابات، ولا يعلن عنها في وسائل الإعلام أو غيرها بما يضمن حيادية هذه المؤسسات الوطنية. وأضاف قائلاً: إنه إذا وافقت المحكمة على مد تصويت العسكريين فعليها بنفس المنطق أيضًا أن توافق على طلب المعارضة بعدم مد أو تأجيل حل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لحين انتخاب مجلس النواب القادم، وعليها أيضًا أن تحل مجلس الشورى فورا طالما أصبح هناك منطق التفاوض على قرارات وأحكام المحكمة، فهذا غير مقبول في دولة تريد إعلاء مبدأ سيادة القانون. ومن جانبه ثّمن مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز الدور المشرف الذي قام به الجيش المصري فيما يتعلق بالمقترح الذي قدمه للجنة التشريعية بمجلس الشورى للخروج من مأزق تصويت الجيش والشرطة بالانتخابات المقبلة، والذي وافقت عليه اللجنة التشريعية وعلى إثره تم إرجاء عملية التصويت ل2020 لاعتبارات الأمن القومي، مؤكدا حرص الجيش على أمن واستقرار الوطن، في ظل هذه الأوقات العصيبة التي يمر بها، ويحتاج لتضافر جهود الشعب وقواته المسلحة للوصول بمصر إلى بر الأمان. وأكد المركز أن الجيش دائما ما يظهر معدنه النفيس في أوقات الأزمات، فأمن مصر فوق أي اعتبار، والجيش أبدا لن يساوم على أمن الوطن، ومصر تحتاج بهذا الوقت لفترة حتى تستقر الأوضاع، قبل أن يسمح للجيش والشرطة بالمشاركة بالعملية الانتخابية. وأضاف المركز أن على جميع القوى والأحزاب السياسية وكذلك مؤسسات الدولة أن تترفع عن الصغائر، وأن تعلي من شأن الوطن، وأن تعمل جاهدة لحماية أمنه واستقراره. وأشار إلى أن عملية التحول الديمقراطي التي تعيشها مصر الآن تحتاج لفترة من الوقت حتى ننتهي منها، ونصبح دولة ديمقراطية حقيقية على غرار ما هو موجود في الدول الغربية، وهذا ما لن يحدث سوى بتضافر جهود الشعب وقواه السياسية، حتى يتحقق الأمن والاستقرار ونصل بمصر لبر الأمان. وطالب المركز الجميع بضرورة احترام مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، والعمل على رفعة شأن ومكان الوطن والجيش والشرطة باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتوفير الأمن خلال إجراء العملية الانتخابية والاستعداد لتلك العملية من الآن لتلافي السلبيات التي كانت تحدث في السابق.