تكشفت الشهر الماضي مسألة قانونية شائكة تواجه الحكومة المصرية عندما صدر حكم بالسجن مع وقف التنفيذ هشام قنديل على رئيس الوزراء، لتقاعسه عن تنفيذ حكم قضائي ببطلان خصخصة شركة "طنطا للكتان" و"الزيوت" التي بيعت في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. وألزم الحكم الصادر عام 2011 الحكومة وقتها بإعادة شراء الشركة من مستثمر سعودي كان قد اشتراها عام 2005 وأشارت حيثيات الحكم إلى أن الشركة بيعت بأقل من قيمتها السوقية. وأصدر القضاء الإداري في مصر 11 حكما على الأقل منذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمبارك قبل أكثر من عامين تلزم الحكومة بفسخ صفقات وقعتها إدارة مبارك، ويقول محامون إن المحاكم تنظر حاليا عشرات الدعاوى المماثلة. ورفع الدعاوى محامون ونشطاء يزعمون أن تلك الشركات بيعت بأثمان بخسة ضمن الممارسات الاقتصادية الفاسدة خلال حكم مبارك. ووضعت الأحكام عددا من الشركات الأجنبية العاملة في مصر في مأزق قانوني وعرضت الحكومة لمخاطر التحكيم الدولي المكلف الأمر الذي قد يؤدي لعزوف المستثمرين الذين تحتاج إليهم البلاد بشدة ويزيد من تعقد مناخ الأعمال الصعب بالفعل. ويقول المحامون والنشطاء أصحاب هذه الدعاوى إن الأحكام القضائية يجب أن تؤدي إلى تطهير مناخ الأعمال في عهد الرئيس الحالي محمد مرسي. ومع ذلك فان استعادة ملكية الشركات الحكومية السابقة ليست بالأمر الهين فبعض الشركات مثل "طنطا للكتان" و"الزيوت" تفككت بالفعل منذ بيعها، وليس لدى حكومة مرسي خطة واضحة للتعامل مع هذا الأمر. وحتى الآن لم يطبق غير حكم واحد يتعلق ببطلان خصخصة سلسلة محلات "عمر أفندي" أحد أقدم المتاجر المصرية وبالتالي جاء الحكم بحبس قنديل سنة مع وقف التنفيذ. ويقضي الدستور المصري الذي أقر في استفتاء شعبي في ديسمبر الأول الماضى، بعزل مسئولي الدولة الذين يتقاعسون عن تنفيذ أحكام القضاء. وقالت الحكومة إنها ستطعن على الحكم الصادر على قنديل الذي لم يكن رئيسا للوزراء وقت صدور الحكم ببطلان بيع الشركة. وعلى الصعيد الرسمي، شكلت حكومة د. مرسي لجانا لدراسة سبل تنفيذ إعادة الشركات لملكية الدولة. وفي أحاديث خاصة، أبدى مسئولون قلقهم من الإشارات السلبية التي بعثت بها الحكومة للمستثمرين. وقال خالد الأزهري، وزير القوى العاملة: إن هذه القضايا معقدة، متسائلا إلى من ستدفع الحكومة وهل ستدفع القيمة التي دفعها أول مشتر أم السعر الأعلى الذي دفعه المشتري الثاني؟. وأضاف أن الحكومة تحاول أن ترى كيف ستواصل حماية حقوق المشترين وتعيد الأموال التي دفعوها من قبل. وفي واحدة على الأقل من هذه الدعاوى بيعت الشركة لمستثمرين أجانب منذ 15 عامًا. وتخوض ثماني شركات أجنبية على الأقل بينها "سيمكس المكسيكية" العملاقة للأسمنت معارك قضائية للطعن في أحكام إعادة التأميم والتي تأمل هذه الشركات أن تسمح لها في النهاية بالحفاظ على استثماراتها في مصر. وقال علي الشلقاني، وهو محامي يمثل المستثمرين الأجانب في مصر: إنه بينما تستأنف سيمكس حكم محكمة القضاء الإداري في أول درجة، لا تزال تدير شركة أسمنت أسيوط التي اشترتها من الحكومة عام 1999، لكن شركات أجنبية أخرى اضطرت للرحيل وتخوض معارك قضائية من الخارج. وقال الأزهر: إن تنفيذ هذه الأحكام يشكل "عبئا اقتصاديا جديدا" لا يمكن أن تتحمله الحكومة التي تعاني بالفعل من نقص السيولة وعجز في ميزانية السنة المالية الحالية يصل إلى 11.5 % من الناتج المحلي الإجمالي بعد تراجع الإيرادات منذ اندلاع الانتفاضة. وبينما تحاول القاهرة جاهدة تغطية تكاليف الواردات الأساسية مثل القمح والوقود يتساءل البعض حتى إن تمكنت الحكومة من إعادة شراء الشركات فهل سيكون بوسعها أن تدير المصانع وتدفع أجور العمال؟. وقال أحمد أبو سعد العضو المنتدب لإحدى شركات إدارة صناديق الاستثمار والمحافظ :"لا أعتقد أن الحكومة في موقف مالي أو فني يؤهلها للقيام بذلك". وباع مبارك عددا من الشركات المملوكة للدولة بين 1991 و2008 في محاولة لتحفيز نمو القطاع الخاص. وقالت الحكومة إنها لن تخصخص أي شركات مملوكة للدولة، لكنها تعارض استعادة الشركات التي بيعت بالفعل لأسباب مالية ولأنها ترى في إعادة التأميم إشارة سلبية للمستثمرين المحتملين. ويتوقع البعض تداعيات سلبية للدعاوى القضائية على كل الأطراف. يقول الشلقاني: "لن تفيد العمال، لا تريد الدولة استعادة هذه الشركات، تسبب هذه الدعاوى حالة من عدم اليقين في وقت نحتاج فيه للاستثمار"...ويضيف "أنه موقف يخسر فيه الجميع". ويرى اقتصاديون أن التهديدات بإعادة التأميم تحد آخر يواجه المستثمرين الأجانب الذين يعزفون بالفعل عن الالتزام باستثمارات جديدة بينما يتسم الوضع الاقتصادي في مصر بالضعف ويشوب الغموض السياسات. وقد تضررت معنويات المستثمرين أيضا بتأجيل القاهرة سداد مدفوعات لشركات نفط عالمية بينما تصارع لسداد فواتير الطاقة. ورفعت أندوراما جروب وهي مجموعة أندونيسية متعددة الجنسيات للمنسوجات دعوى تحكيم دولي ضد مصر عام 2011 حتى قبل أن تقضي محكمة مصرية بإعادة شركة منسوجات حكومية اشترتها أندوراما عام 2007 لملكية الدولة. وقال تشارلز كلايبول محامي أندوراما في الدعوى التي رفعتها أمام المركز الدولي لتسوية المنازعات الاستثمارية إنه في أعقاب الانتفاضة ضد مبارك في مستهل 2011 اقتحم العمال شركة المنسوجات في مدينة المنوفية بدلتا مصر واحتلوا مكاتب الإدارة واحتجزوا مديرين رهائن وضربوهم. وأضاف "لقد خسرنا استثماراتنا ونطالب بتعويض عن الأضرار". وأحكام المركز واجبة النفاذ، وتتجاوز مطالبات التعويض من جانب شركات مثل أندوراما 50 مليون دولار. وبالرغم من تعهد نشطاء بالاستمرار في رفع الدعاوى لمواصلة الضغط على حكومة مرسي للقضاء على الفساد وتوفير مناخ أعمال يتسم بقدر أكبر من الشفافية فان خطوات الحكومة تدفعهم للتشاؤم.