شهدت امتحانات الشهادة الإعدادية، التى بدأت هذا الأسبوع، عددا من أحداث العنف، تنوعت بين إطلاق الأعيرة النارية، والسطو المسلح من بلطجية على بعض المدارس، واعتداء أهالى تلاميذ على مراقبين، عللها البعض بسبب صعوبة الامتحانات، وأرجعها آخرون إلى حالة التردى والفوضى الأمنية، والانفلات الأخلاقى، وهى الأمراض التى يعانى منها المجتمع المصري حاليا. "بوابة الأهرام" رصدت هذه الأحداث، واستمعت إلى تعليق الدكتور إبراهيم غنيم، وزير التربية والتعليم، وخبراء علم الاجتماع، وأساتذة علم النفس، للوقوف على الأسباب التى أدت إلى انتشار العنف في المدارس الإعدادية خلال الامتحانات، على الرغم من أن التلاميذ مازالوا في مرحلة الطفولة. الأحداث التى شهدتها امتحانات الإعدادية كثيرة، ولم تقتصر على محافظة واحدة، بل تنوعت وتوزعت على محافظات متعددة، فقد أجل اللواء عادل لبيب، محافظ قنا، امتحانات الإعدادية فى اللغة الإنجليزية والتربية بمدرسة الحجيرات الإعدادية المشتركة، إلى أجل غير مسمى، نتيجة لقيام مجموعة مسلحة بإطلاق الأعيرة النارية داخل اللجان، مما تسبب بإصابة تلميذ. وفى طنطا شرعت مجموعة من البلطجية فى اقتحام مدرسة على بن أبي طالب الإعدادية، التابعة لإدارة غرب طنطا، حاملين الأسلحة البيضاء والشوم، للتعدى على أحد الطلاب خلال انعقاد لجنة امتحانات الإعدادية، بسبب خلافات بينهما، بينما ألقى تلميذ قنبلة غاز بداخل مدرسة فى طنطا أيضا، أما تلميذ إحدى مدارس قنا ففتح النار من بندقية آلية على زميله ليصيبه بإصابات بالغة. كما اعتدى أهالي قرية "شبشير الحصة" بمركز طنطا على المراقبين بمدرسة زكي هشام، فى أثناء أداء امتحانات الإعدادية يوم الأحد، بسبب تشديد المراقبة على اللجان، وفى المنيا تجمهر عدد من أهالى طلاب الشهادة الإعدادية أمام لجنة الامتحانات بمدرسة "البربا" التابعة لمركز أبو قوقاص، احتجاجا على تشديد المراقبين للامتحانات. الدكتور إبراهيم غنيم، وزير التربية والتعليم، علق على هذه الأحداث وغيرها بقوله: "إنه رغم ما يحدث من حالات عنف من الأهالي أو التلاميذ بسبب امتحانات الإعدادية، فإن ذلك لا يزعجنى مطلقا، وقد قلت من البداية إن الامتحانات خط أحمر لا يجب تعديه". ووصف غنيم ما يحدث بأنه استمراء ل"الغش" ونتيجة من نتائج حالة الفوضى الموجودة فى المجتمع الآن، مضيفا أن الأمر لا يرجع أبدا إلى صعوبة الامتحانات، التى قام على وضعها الجهاز القومي لوضع الامتحانات بوزارة التربية والتعليم، ولم تخرج عن المناهج. وأشار غنيم إلى أن استمراء الغش أدى إلى وجود الطبيب الفاسد والمهندس المرتشى، فهو خلق أجيال تستسيغ أعمال النصب، والسرقة، والرغبة فى عدم بذل مجهود. وأكد غنيم أنه يتلقى يوميا تقارير عن سير امتحانات الشهادة الإعدادية، وأيضا حالات الغش، والتى رغم الضجة التى تثيرها هذه الأحداث، إلا أنها لم تتعد ال15 حالة من مجموع 18 مليون تلميذ بالشهادة الإعدادية يؤدون الامتحانات فى المحافظات المختلفة. وأضاف وزير التربية والتعليم أن عقوبات الغش أصبحت رادعة، حيث كان المدرس المتلبس فى حالة "تغشيش" التلاميذ يُعاقب بخصم يوم أو يومين من راتبه، ولكن الآن الأمر مختلف، فالعقوبات تتراوح بين فصله من العمل، وحرمانه من مراقبة الامتحانات 5 سنوات، كما أن التلميذ يلقى عقوبة رادعة تتراوح بين حرمانه من امتحانات العام، وبين فصله نهائيا، كما أن ولى الأمر المتسبب فى إحداث أعمال عنف أو فوضى تتم إحالته للنيابة فورا. ومن ناحيتها قالت الدكتورة هبة العيسوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، تعليقا على تلك الحالات: هذا الأمر يمكن النظر له من أكثر من زاوية، الأولى أن التلميذ يرى أن "الغش" هو حق من حقوقه، ويطالب به، وإذا لم يحصل عليه بسهولة فإنه يستخدم العنف، والزاوية الأخرى أن ولى الأمر قد قلب الآية تماما، من صورة الأب الفاضل الذي يدعو ابنه إلى الأخلاق، إلى صورة الأب الذي يدعو ابنه إلى "الغش"، وبالتالي فإنه يدعوه إلى أن يكون نصابا أو حرامي أو مرتشي دون أن يشعر، والزاوية الثالثة، هى الإحساس بالدونية والانهزامية من الأطراف الثلاثة، وهى الطالب، وولى الأمر، ووزارة التربية والتعليم. وأضافت أن ما يحدث من أعمال عنف ورغبة فى "الغش" صورة مصغرة مختزلة للمجتمع، الذى نعيش فيه، وهى تمثل صورة للانهزامية وعدم الثبات النفسي، وإحساس كل طرف بأن الآخر يتآمر عليه، فوزارة التربية والتعليم، ترى أن ولى الأمر بلطجي، وولى الأمر ينظر إلى الوزارة على أنها تتسبب فى رسوب ابنه، والتلميذ يرى أن الوزارة معتدية عليه ولم تعطه الحق الكافى من التعليم. وأشارت هبة العيسوى إلى أن وزارة التربية والتعليم هى ضلع أساسي فى هذه المعادلة، لأنها لم تقم بدورها على أكمل وجه، فساعات الدراسة غير كافية، والمناهج محشوة، ولم تلق بالا لأحداث مرت على التلميذ أثناء العام الدراسي كفيلة باضطرابه نفسيا، مثل الاعتصامات والوقفات والمظاهرات، وأحداث القتل والعنف هنا وهناك، ناهيك أن يكون أحد المقتولين قريبه أو والده أو شقيقه. واستدعت أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس مشهدا للفنانة عبلة كامل وهى تخاطب ابنها محمد سعد، فى فيلم "الليمبى" قائله له وهو ذاهب للامتحان: "قلمك وكراستك ومطوتك معاك"، مضيفة: "كنا نعتبرها كوميديا سوداء، ونخبط كفا بكف نافين أن هذا يمكن أن يحدث، ولكن للأسف هذه الكوميديا السوداء باتت واقع نعيشه". أما الدكتور هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الزقازيق، فقالت إن أحداث العنف سواء من التلاميذ أو الأهالى تعود إلى حالة الفوضى التى يعيشها المجتمع المصري، مضيفة أن ذلك يعبر عن كونه مشهدا من مجموع المشاهد التى تُكمل الصورة، والتى لا يجب معها أن نتفاجأ. وأشارت إلى أن ما يحدث هو محاولة للتمرد على المبادئ والقوانين والقواعد فى الأوقات التى لا يتضح فيها درجة الالتزام، مضيفة: "فهى مرحلة لا تبدو فيها الحدود واضحة". وأضافت أن "الغش" فى الامتحانات هو نتاج لفساد 30 عاما، فبات فيه حقا مكتسبا، ولم نربى أولادنا على الاجتهاد، بل على الاستسهال، ورأى البعض أن "الغش" بات يوصله لكل ما يريد، فالغش جزء من حالة التردي الأخلاقى، الذى يلازم المجتمع المصري. وأعربت الدكتورة هدى زكريا عن تفاؤلها قائلة إن الاعوجاج فى هذا المجتمع سوف يستقيم، وسيتسترد قوته، ويحل الأكفأ محل الفاسد، مضيفة أن الفساد يبدأ بالغش فى الامتحانات وينتهى بصاحبه خلف أسوار السجون.