العمة خديجة تجيب لكل من يسألها عن عمرها "والله يا بني أنا 100 ناقص 20".. الأرقام التي تلقيها علي مسامعك لا تحتاج تفسيراً إلا حين تقاطعك وتقوم بالنداء على الطفل محمود الذي ربته يتيمًا بعد وفاة زوجة ولدها ليحدد لك ببراءة "أصل هي من مواليد 1932 يا أستاذ". خديجة مصطفي التي تعيش في إحدي قري محافظة قنا لا تعرف من عيد الأم شيئا، ربما تقوم بفرش بطانية وحيدة ومرتبة وحيدة على أرضية المنزل المتربة والخالية من الأثاث تدعوك للجلوس ثم تبتسم وتتأسف أيضاً "معلش يا ابني أصل المنزل مافهوش كهرباء وكمان معلش أنا لي شهرين بنام أنا وابن ولدي علي الضلمه لأن "مفيش جاز عشان اللمبة". لمبة الجاز التي تمتلكها العمة خديجة مبتكرة فهي عبارة عن علبة مبيد حشري طارد للذباب تضع فيها فتيل للإشعال وتضعها في ركن محفور في الحائط الطيني وقد اضطرت لعدم استعمالها منذ عدة شهور بسبب أزمة الوقود الطاحنة وصعوبة الحصول على "الجاز". تقول خديجة ل"بوابة الأهرام".. "أنا الوحيدة إللي معرفش الكهرباء ولا التليفزيون أصل أنا معرفش الإجراءات ولا الفلوس اللي الحكومة تحتاجها لافتة أنها تسمع أنها فلوس كثيرة تصمت خديجة وتؤكد بلهجتها "بس والله يابني عاوزا الكهربا علشان أجربها علشان العمر بيروح لافتة أن ابن ولدها محمود الذي ينام معها يخاف كثيراً من الظلام ويختلف عنها هي تؤكد لك أيضاً أنها لا تعرف للظلام معني لذلك لا تتحدث كثيراً عن بشاعته. ربما تدعوك خديجة لشرب الشاي عندها - لأنها كريمة جداً - لكنها ذكية جداً وتقرأ تعابير وجهك فتجيب متخافش عندنا ميه كتيرة يا ولدي وأنا وصلت مياه تشتغل بالحنفية، وقبل أن تشكرها تقوم بشكر الله كثيراً الذي جعلها تشهد الأيام الحلوه قبل الأيام القاسية تلك الأيام التي تتذكرها جيداً حين كان فيضان النيل يغمر الأراضي فيقوم الأهالي بحصار الفيضان بعيدان الذرة. 225 جنيه فقط تضاف لأرقام عمر العمة خديجة التي تحيل عمرها لأرقام وهذا المبلغ الذي تتقاضاه من التأمينات الاجتماعية هو الذي تتعايش منه في الحياة مؤكدة أن الأيام اختلفت كثيراً عن الماضي "فخبز التموين والقمح في عصرها ليس له طعم لافتة أن خبز الذرة القديم كان مثل السكر وأجمل منه كثيراً في المذاق". تتركك خديجة أن تسأل ابن وليدها اليتيم محمود الذي لم يقم بتقديم هدية لها في عيد الأم وهي التي قامت بتربيته منذ أن كان عمره 40 يوماً بعد أن ماتت والدته ثم تبتسم وتجيب أنا مش عاوزه حاجة منه غير أنه ينجح في حياته _ محمود الذي يدرس في الإعدادية لا يعرف سبباً مقنعاً لماذا هو يعشق الشعر فقط في الدراسة ويتمني أن يكون مثل أمير الشعراء أحمد شوقي؟ محمود يبوح لك أنه يكره الظلام كثيراً وأنه يخاف منه وأنه لا يملك غير أن يرمي جسده بالقرب من الجدة خديجة حيث الاثنان يحلمان بتوصيل كهرباء في عيد الأم.