تبدو خيارات جبهة الإنقاذ الوطني بعد مقاطعة انتخابات مجلس النواب القادمة صعبة، على أكثر من صعيد، فهناك الواقع السياسي من حولنا الذي يشير لكون المعارضة السياسية التي تلجأ لمقاطعة الانتخابات دوماً ما تكون الخاسر الأكبر، بسبب بعدها عن نبض الشارع، والأهم أن تقدم هدية مجانية للسلطة في تمرير إجراءات التمكين والهيمنة على مقاليد السلطة وإدارة البلد دون صوت معارض قوى من داخل المؤسسات التشريعية أو المحلية، ولنا في تجربة أمريكا اللاتينية درس تاريخي مفيد بهذا السياق. ثم هناك أيضاً، ارتباط الرهان السياسي على جدوى المقاطعة بفاعلين وقوى سياسية خارج أطر وسيطرة أحزاب الجبهة التي فقدت بقرار المقاطعة أي دور أو تأثير سياسي ملموس على البيئة الانتخابية. ويكمن هذا الرهان في ثلاثة مسارات رئيسة: أولها، انتقال آلية المقاطعة السياسية لقوى وأحزاب أخرى خارج مظلة الجبهة، ما يفقد السلطة المشروعية السياسية أمام الرأي العام بالداخل والخارج، وتحديداً من جانب القوى التي شاركت بالحوار الوطني وطالبت بضمانات لتأمين نزاهة الانتخابات لم تصل بعد للجنة العليا للانتخابات من قبل مؤسسة الرئاسة. أما المسار الثاني فيتمثل في تدني المشاركة الشعبية بالانتخابات بسبب عزوف الناخبين عن المشاركة فيها، ما يعني أن المجلس الجديد لا يعبر عن الإرادة العامة للشعب المصري. وثالثها، استمرار وتيرة التصعيد والاحتقان الحالي بالمحافظات وتصعيدها في شكل تهديد لكيان الدولة أو أزمة تعجز الحكومة عن مواجهتها، ما يجبرها على تأجيل الانتخابات. ويضاعف من حدة أزمة الجبهة، إمكانية لجوء بعض أحزابها وتحديداً الليبرالية لخوض الانتخابات البرلمانية سواء بشكل منفرد أو من خلال قوائم مستقلة تدعمها تلك الأحزاب، بعد تزايد القناعة الداخلية بأن مقاطعة الانتخابات ليست حلاً واقعية للأزمة السياسية كما أشار لذلك رئيس حزب غدا الثورة الدكتور أيمن نور في مؤتمر إعلان مشاركة حزبه بالانتخابات، أو يونس مخيون رئيس حزب النور السلفي. قناعة بدأت تسرى في قوى الجبهة الليبرالية دون اليسارية. أضف لذلك إمكانية أن يسعى لكي يكون هو المعبر الوحيد عن صوت المعارضة السياسية بالبرلمان الجديد إذ لم ينال الأغلبية التي يسعى إليها، ما يؤهله لسحب البساط السياسي من تحت أقدام جبهة الإنقاذ التي تجد نفسها خارج المشهد السياسي، ووجود صوت آخر معبر عن معارضة شرائح من المصريين للإخوان. إزاء مواجهة هذا التحديات، يأتي طلب تأجيل الانتخابات كمطلب عام توافقي من أجل مواجهة ما يعتقد كل طرف بأنه أزمة الطرف الآخر. وهو مطلب أعاد التأكيد عليه رئيس حزب المؤتمر عمرو موسي وتساءل عبر حسابه على توتير كيف تجرى الانتخابات والدماء تسيل والنظام لا يتعامل مع مطالب المعارضة المستندة إلى حس الشارع والشعب..؟ مطلب بات من الصعب تحقيقه في ظل إطلاق عملية الانتخابات من قبل اللجنة العليا للانتخابات. تعقد المعارضة اجتماعين مهمين اليوم الثلاثاء: الأول، لجبهة الإنقاذ في مقر حزب المصريين الأحرار لإطلاق خطتها لتفعيل مقاطعتها للانتخابات البرلمانية، والثاني، من قبل عدد من القوى السياسية والثورية لمناقشة بمقر الجمعية الوطنية للتغيير لدراسة الموقف من مقاطعة الانتخابات، وآليات التحرك في الفترة القادمة، يشارك فيه ممثلين عن اتحاد شباب الثورة والتحالف الديمقراطي الثوري والجمعية الوطنية للتغيير والحزب الناصري الموحد والنقابة العامة للفلاحين وأعضاء من التيار الشعبي وعدد من القوى الثورية. واستبق موسى اجتماع الجبهة بالتأكيد على استمرار موقفها من مقاطعة الانتخابات رداً على الشائعات التي أطلقت بعد لقاء بعض رموزها بوزير الخارجية الأمريكية جون كيري وحثه الجبهة على ضرورة مشاركتها في الانتخابات بعد تشكيل حكومة جديدة تشارك فيها بعض أحزاب الجبهة. حيث كان حزب الوفد الوحيد على لسان مستشاره الإعلامي معتز صلاح الدين الذي نفى إمكانية مشاركة الحزب في أي حكومة جديدة مؤكداً على قرار رئيس الحزب السيد البدوي في إبريل الماضي الرافض المشاركة في الحكومة أو قبول التعيينات داخل مجلس الشورى. حول خيارات الجبهة بالمرحلة القادمة، قال عبد الغفار شكر القيادي بالجهة، أنها ستبحث في اجتماعها بعد ساعات تفعيل قرار المقاطعة مشيرًا إلي أنه تم وضع خطة سياسية يستند إليها تحرك الجبهة بالفترة القادمة تشمل العمل على ثلاثة محاور رئيسة: المحور الأول الجماهيري، من خلال خطط مكثفة للتحرك على الأرض، لإقناع المواطنين بعدم التصويت بالانتخابات، شرح دوافع قرار المقاطعة، ونزع مشروعية المشاركة الشعبية فيها. أما المحور الثاني، تأكيد الحضور داخل المشهد السياسي من خلال مشاركة أحزاب الجبهة المواطنين وبقية القوى السياسية مطالبها في الدفاع عن المسار الديمقراطي وحل مشاكلهم اليومية، حتى تكون قرب نبض الجماهير. أما المحور الأخير عبر دعم الطابع المؤسسي للجبهة، بمعني تشكيل لجان سياسية واقتصادية وحريات عامة وقانونية وتشريعية لمواجهة أعمال البرلمان القادم الذي وصفه بالباطل لكونه قائما علي قانون غير دستوري حسب تعبيره، لتجد أحزاب الجبهة في تلك اللجان مسار موازي للبرلمان تطرح خطط ومشاريع بديلة لمواجهة الأزمات التي تمر بها مصر حالياً. عن المحور الثالث، قال إنه سيتم تشكيل لجنة داخل كل محافظة للتواصل مع الجماهير وشرح وجهة النظر المعارضة لقرار المقاطعة، مشددا علي أن الهدف منها السعي لنزع المشروعية السياسية والقانونية عن المجلس الجديد، وإثبات أن الحكومة المشرفة على الانتخابات غير محايدة. وكشف عبد الغفار شكر عن أن الجبهة ستصدر خلال الفترة القادمة برنامجًا سياسيًا شاملاً يتضمن سياسات اقتصادية واجتماعية في مواجهة سياسات النظام الحاكم. يأتي ذلك في الوقت الذي علمت فيه بوابة الأهرام أن بعض أعضاء الجبهة طرحوا فكرة إنشاء برلمان مواز من داخل القوى التي تقرر مقاطعة الانتخابات، ليكون بمثابة آلية فاعلة لانتقاد سياسات النظام وكشفها للرأي العام.