تغيير حكومة قنديل، بات مطلبًا عامًا له مصداقيتها للجميع بما فيهم جماعة الإخوان، من حيث أهمية وجود حكومة مستقلة تُدير فترة ما قبل انتخابات مجلس النواب، حتى لا يتم الطعن على مشروعية الصندوق الانتخابي، كما رأينا بمشاهد سابقة كالاستفتاء على الدستور أو حتى الانتخابات الرئاسة نفسها. إلا أن هناك خلافًا شديدًا بين القوى السياسية ليس على مبدأ التغيير فحسب، وإنما أيضًا نوع الحكومة المتصورة، هل هي حكومة وفاق وطني كما طالبت مبادرة حزب النور وأيدتها جبهة الإنقاذ، أم حكومة تكنوقراط مستقلة، كما تطالب بعض القوى الوطنية، فيما يتساءل الكثير عن جدوى التغيير السياسي بتلك المرحلة القصيرة، ومن يمكن أن يقبل يتولى مسئولية إدارة السياسة العامة فترة حرجة مدتها ثلاثة شهور فقط..؟ فعلى مستوى الرئاسة، وحزب الحرية العدالة، هناك تمسك بحكومة قنديل، ليس كما يعتقد البعض لوجود رغبة مبيتة لتزوير الانتخابات، وإنما لمقتضيات الواقع، ضيق الوقت، وأنها لم تتمكن من ممارسة دورها الفعال بسبب الحصار السياسي والجماهيري لها، كما أشار لذلك الدكتور عصام العريان نائب رئيس الحزب. يمكن أن نضيف إليها، فكرة محورية السلطة لدى قطاع كبير من المصريين، ورغبة الحزب في الاحتفاظ بالسلطة حتى الانتخابات، لتأمين دعم وتأييد شريحة كبيرة من الناخبين وتحديدًا بالريف والصعيد، الذي يدعمون السلطة أيًا ما كانت. أما على المستوى الإجرائي، فإن مؤسسة الرئاسة حسب مصادر داخلية ربطت موافقتها على هذا التغيير بنتائج أي الحوار الوطني. فالرئاسة لم تضع خطوط حمراء سياسية على أي توافق محتمل، ولكونها لا تريد إبداء تنازلات بالقضايا التي قدمتها المعارضة من دون توافق سياسي حولها، بحيث تكون معبرًا للتهدئة وعودة الاستقرار للشارع، والأهم عدم إثارة مطالب جديدة. يؤيدها بهذا التوجه قطاع كبير من الإسلاميين المنضويين تحت تحالف القوى الإسلامية، باستثناء الجبهة السلفية التي ترفض مشاركة جبهة الإنقاذ في أي حكومة مقبلة، بل ترفض مبدأ الحوار السياسي معها بوصفها، كما قال أحمد مولانا عضو المكتب السياسي للجبهة، وهي جبهة تدعو للعنف بمساندتها له سياسيًا. أما معارضة حزب البناء والتنمية فتصر على عنصر الوقت، حيث يرى خالد الشريف المستشار الإعلامي للحزب أن الوقت غير مناسب للتغيير الحكومي طالما أن الرئيس يرى أنها تؤدي وظيفتها بشكل جيد، وتسعى لإيجاد حلول لمشاكل المواطنين، ووصف دعوة التغيير بإهدار للجهد والوقت، لكون الانتخابات على الأبواب. و ينفرد حزب النور هنا بموقف مخالف، إذ يدعو لتشكيل حكومة وفاق وطني تشارك فيها السلطة والمعارضة، ولا مانع لدى الحزب، كما أشارت مصادر مقربة من رئيسه يونس مخيون من امتداد عملها لما بعد الانتخابات البرلمانية لفترة ستة أشهر حتى تحقق التهدئة السياسية ويعود الاستقرار، ومن وجهة نظره أن تشكيل حكومة جديدة من البرلمان في ضوء الاحتقان السياسي المجتمعي يمكن أن يعمق الخلافات ولا يساهم بالتهدئة والاستقرار. عبر أيضًا عن تلك الرؤية جلال مرة الأمين العام للحزب، في رفضه لحكومة تكنوقراط، لكون الحكومة المنتظرة، لآبد من أن تجمع مابين الخبرة وطهارة اليد وحسن السمعة والإمكانيات العلمية التي تناسب ظروف المرحلة، فالخبرة العملية مهمة جدًا للخروج من عنق الزجاجة. وأكد مرة ضرورة التوافق بين القوي السياسية علي الحكومة الجديدة لإعلاء مصلحة الوطن، رفض لا أستأثر أي فصيل سياسي واحد بالمشهد السياسي. ونوه أننا نعتبر حاليا بمرحلة انتقالية لحين انتخاب مجلس النواب، ولو أثبتت الحكومة الجديدة "المؤقتة " كفاءتها من الممكن أن تستمر حتى لو اعترضت الأغلبية بمجلس النواب عليها، فالواقع الثوري يفرض نفسه على الجميع. أما داخل المعارضة، فإن تصورات الجبهة الإنقاذ تلتقي مع مبادرة حزب النور التي تدعو لحكومة وفاق وطني،إلا أنه هناك خلافات داخل أحزابها حول تلك الحكومة، ففي حين يراها حزب الدستور ومعه المصري الديمقراطي الاجتماعي حكومة ائتلافية يدعمه المصريين الأحرار، فإن الوفد أختلف معها في تلك الرؤية. إذ أكد عبد الله المغازي المتحدث الرسمي باسم حزب الوفد، أنه حال تشكيل حكومة إنقاذ وطني، فيجب أن تكون حكومة تكنوقراط وليس لأعضائها أي انتماءات حزبية ويكون رئيس وزرائها له خبرة اقتصادية كبيرة، لإدارة الدولة والعملية الانتخابية بحيادية تامة، نظرًا لأهمية الانتخابات القادمة التي توقع لها أن تكون علي صفيح ساخن، مشيرًا لكون الحكومة الحالية سيتم اتهامها من الجميع بتزوير الانتخابات وعدم حياديتها. بهذا أكد رفض الحزب تشكيل حكومة ائتلافية لكونها حسب توصيف المغازي ستستغرق وقتًا طويلاً نتيجة الخلافات بين الأحزاب، مشددا علي أن عنصر الوقت مهم جدًا بالنسبة للوطن، ونوة لإمكانية أن تستمر الحكومة الجديدة حتى نهاية العام الحالي. واتفق معه شادي طه رئيس المكتب السياسي لحزب غد الثورة مؤكدًا أن حكومة تكنوقراط هي الحل الأمثل حالياً للخروج من الأزمة، مشير إلي انه يجب عليها أن تكون محايدة وتقف علي مسافة واحدة من جميع الأحزاب لكي تؤمن ضمانة ونزاهة الانتخابات البرلمانية، مؤكدًا أيضًا على أن تشكيل حكومة ائتلافية سيعمق من حدة الأزمة أكثر مما نعنيه الآن، وسيدخلنا في دوامة جديدة. إلا أن عمرو موسي رئيس حزب المؤتمر، فاجأ الجميع، بمطالبته ليس تشكيل حكومة وحدة وطنية لأن الحكومة الحالية لا تستطيع مواجهة أكبر أزمة بتاريخ مصر الحديث فحسب، وإنما أيضًا دعوته أن يترأسها الرئيس محمد مرسي، وأن تكون حكومة كفاءات قادرة على تقديم خطة شاملة لفترة زمنية محددة. وقال موسى: طالبنا بتأجيل الانتخابات البرلمانية لفترة محددة، ولكن في حالة إصرار الرئاسة على إجراءها في وقتها لابد أن تكون الحكومة التي تجريها محايدة، وأن يشرف عليها القضاء بشكل كامل تحت رقابة مدنية ودولية ذات فاعلية، بالإضافة إلى تأمين القوات المسلحة لها. إلا أن حكومة تكنوقراط، فشلت في تونس وقادت لاستقالة رئيس الوزراء حماد الجبالي بسبب الإصرار عليها ورفض جميع الأحزاب لها، فمن يؤمن لها النجاح في مصر. أضف لذلك الرفض المتوقع من جميع الشخصيات المستقلة القيام بدور المحلل السياسي للأزمة الراهنة، فالكل بما فيها الشخصيات التي طرحت أسماءها لتولى تلك الحكومة، رفض تلك الفكرة، مطالبًا بضمانات سياسية لاستمرار الحكومة بعد الانتخابات وسلطات أكبر تؤمن لها استقلالية تشكيل الحكومة وقرارها السياسي.