"هريدى" يرفض نصف دستة "جوارٍ" من بنت العمدة

"أقسم بالله العظيم أنني رجل حتى النخاع.. والرجال لا ينجبون الإناث.. هكذا كانت جدتي تقول.. وأنا من يمتلك جسدا يكاد يحجب ضوء الشمس، وشاربي تنحني له القبائل، وصوتي جهوري، يكاد يفزع الطير المحلق في السماء.. فكيف لي أن أنجب نصف دستة من الجواري؟.
إذا كان هريدي لا ينجب الولد فمن غيره يستطيع أن ينجبه؟ أين ظهري؟ أين سندي؟ أين اسمي؟
أوقعني حظي العثر في بقايا امرأة عجزت عن إنجاب الولد، العيب كل العيب فيها.. لا أطيق رؤيتها ورؤية الجواري التي حاولت أن تبتليني بهم، وتساءل الرجل في ذهول أمام المحكمة: هل هؤلاء الجواري هن اللاتي يحملن اسمي وسيتقبلن واجب العزاء في؟.. يا للحسرة .. يا للخيبة.
سيدي القاضي: هؤلاء الجواري ليسوا بناتي وأطلب نفي نسبهم لي، لأن هريدي لا ينجب البنات!!
علي الجانب الآخر أمام المحكمة وقفت كومة من السواد في ركن القاعة، ومن حولها ست فتيات يتشحن بالسواد، وحتى صوت أنفاسهن رفض أن يخرج وخيم الصمت الرهيب عليهن، حتى نادي القاضي علي "هنادي" وأنهار من الدموع تنساب، وعلي وجنتيها ومن خلفها وقف طابور الفتيات وسألها القاضي: هل هؤلاء البنات بناتك؟، فردت بصوت مفعم بالتباهي والفخر.. نعم سيدي هن فلذات أكبادي و"ضي عيني".
وتفككت عقدة لسانها وقالت سيدي ليست لي علاقة بتحديد نوع الولد، هكذا قال لي المثقفون من أبناء قريتي، فأنا أحاكم بذنب لم اقترفه، ومر من أمامها شريط من الذكريات يحمل تفاصيل رحلة زواج عمرها خمسة عشر عاما، وقالت: أجبرني والدي العمدة علي ترك دراستي الجامعية والزواج من هريدي لأنه من عائلة مرموقة في القرية المجاورة، رغم أنه لم ينل أي حظ من التعليم.
وقال والدي إنه يبحث عن الحسب والنسب، وهريدي سبع الرجال في قريته ويخشاه كل من حوله، فقد وهبته الأقدار بنيانا قويا وقلبا غليظا لم تعرف الرحمة والحب طريقهما إليه، وأجبرني والدي علي الزواج منه، ومرت السنوات كلما دب جنين بين أحشائي راح يهددني وتوعدني بالموت البطيء إذا أنجبت أنثي، ووقف القدر له بالمرصاد، حتى أنجبت نص دستة فتيات، وكلما رزق بأنثى نصبت المآتم وتوافد عليه أمثاله لتقديم واجب العزاء له، حتى جاءت الابنة السادسة، وبعدها هاج وثار وحاول قتلها، فغافلته وهربت ببناتي إلي بيت أبي ومر العام تلو الآخر وتركني كالمعلقة، وتزوج من أخري وحرمته الأقدار هذه المرة من إنجاب الولد أو البنت، وعندما ضاقت في عينيه الدنيا، أسرع للمحكمة ليقيم الدعوى بنفي نسب بناته إليه، وقدمت الزوجة للمحكمة شهادات ميلاد فلذات أكبادها، بينما تعالي صراخ هريدي داخل المحكمة" "هؤلاء لسن من صلبي.. ظهري لا ينجب إلا الرجال"، وقضت المحكمة برفض دعوى هريدي.