رفض علماء الدين الاعتراف بأي كيانات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعيدا عن مظلة الدولة، وأكدوا أن هناك ضوابط ومستويات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب الالتزام بها، وقالوا: إن تغيير المنكر باليد من قبل الأفراد هو عدوان علي سلطة الدولة. تحقيق عصام هاشم: في ظل الأحداث المتكررة للاعتداء على المواطنين تحت دعوى تغيير المنكر، رفض علماء الدين الاعتراف بأي كيانات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعيدا عن مظلة الدولة، وأكدوا أن هناك ضوابط ومستويات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب الالتزام بها، وقالوا إن تغيير المنكر باليد من قبل الأفراد هو عدوان على سلطة الدولة، مطالبين وزارة الأوقاف والأزهر والإعلام بتكثيف الوعي الديني حول هذه القضية، حتي لا تتحول مجالات الدعوة من قبل البعض إلى فوضي وفتنة بين الناس. الدكتور محمد السيد الجليند الأستاذ بكلية دار العلوم بالقاهرة يوضح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبدأ وضعه الشرع كاساس من أسس الإصلاح المجتمع وحراسة الشارع من عدوان الخارجين عليه أخلاقيا ودينيا، لكن له ضوابطه، فلا يصلح كل فرد أن يتولي هذه المهمة نيابة عن الدولة، وإنما لابد أن يكون هناك نظام وقواعد لتنظيم هذه المهمة واختيار أفضل العناصر(معرفة بالدين ومعرفة بالواقع ومعرفة بالأولويات)، لينهضوا بهذه المهمة بإذن من ولي الأمر, وهذه المهمة تساوي في نظامنا الاجتماعي الحالي شرطة الآداب، وشرطةالأسواق، وشرطة الشواطئ، وغيرها. فإن المهمة المنوطة بالشرطة في هذه الأجهزة هي ضبط حركة المجتمع تحت سلطة القانون ورجل الشرطة هو المنوط بهذه المهمة، وذلك بعد أن تم إلغاء نظام الحسبة الذي كان معمولا به في الدولة القطرية من قبل, أما أن يتبرع البعض للقيام بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل وفق هواه،فهذا لا يجوز، كما أن الشارع قد حدد مستويات ثلاثة لابد من مراعاتها، الأول: تغيير المنكر باليد، وهذه مهمة ولي الأمر فقط دون غيره، وينوب عن ولي الأمر جهاز الشرطة الذي سبقت الإشارة إليه.والمستوي الثاني: تغيير المنكر إذا وقع باللسان، وهذه مهمة العلماء والكتاب وأصحاب الكلمة وأجهزة الإعلام، ولا يجوز لواحد من هؤلاء أن ينتقل إلي مستوي التغيير باليد لأن في ذلك عدوانا علي سلطة ولي الأمر وحقه. أما المستوي الثالث فهو: الإنكار بالقلب فإذا لم يستطع المرء أن ينفذ التغيير بالمستوين السابقين فلا حرج عليه إلا أن ينكر المنكر بقلبه ويقول "اللهم هذا منكر لا نرضاه". ضوابط تغيير المنكر وأضاف الجليند أن من يأمر بمعروف أو ينهي عن منكر ينبغي أن يكون رفيقا بمن يأمره وينهاه، وأن يكون عالما بأن المنكر الذي يطلب تغييره لا يقود إلي منكر أكثر منه حتي لا يدفع ضررا بضرر أكبر. كما يشترط أيضا أن يكون على علم بأن الذي يأمر بتغييره منكر نهي عنه الشارع..وهذه القضية عالجها الفقهاء وعلماء الكلام من المعتزلة ووضعوا لها ضوابط غابت عن كثيرين ممن يتبرعون للقيام بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من تلقاء أنفسهم، لأن في بعض الظروف الاجتماعية التي تعيشها الدولة قد يكون اللجوء إلي تغيير المنكر في ظرف معين هو عين المنكر، لأنه قد يؤدي إلى فساد أكثر وأكثر، كما أنه قد يكون الأمر بالمعروف في ظرف اجتماعي معين هو أيضا منكر، لأنه قد يقود إلي ضرر أكثر منه، فالقضية تحتاج إلي موازنات العقلاء وتدبر العلماء في الواقع الاجتماعي الذي تعيشه الدولة. ويشير د.الجليند إلى أنه لا يجوز في تغيير المنكر اللجوء إلى تغييره باليد إلا بعد الإنكار باللسان أولا، ولا يجوز لغير أجهزة الدولة تولي مهمة تغيير النكر باليد حتي لا تتحول الأمور إلي فوضي..لافتا إلي أن جهاز الشرطة حاليا يحتاج إلي ثقافة شرعية، وطالب بضرورة التنسيق بين الشرطة والأزهر أو الأوقاف ووضع برامج ودورات تثقيفية للعاملين في جهاز شرطة المرافق، حتي يمكنهم أداء مهمتهم في تغيير المنكر كما ينبغي عن علم وفهم وإدراك، بما يحافظ على الأمن في ضوء الضوابط والأحكام الشرعية. مجالات واسعة وفي حين لفت الدكتور القصبي زلط, عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، عضو مجلس الشورى إلى أن فريقا من العلماء ذهب إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين، وذهب فريق آخر إلى أنه فرض كفاية، فإنه أكد أن مجالات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واسعة، وأنه يجب على الأمة الإسلامية أن تنهض بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الخارج، كما يجب عليها أن تقوم بهذا الواجب في داخلها، فتدعو إلى الاستقامة والصلاح، والعمل بالكتاب والسنة. وأوضح أن الأمر بالمعروف يشمل الدعوة إلى الإسلام، ومحاربة الكفر والشرك، كما يشمل توصية المسلمين بالاستقامة واتباع الكتاب والسنة، فالأمة الإسلامية مطالبة بإصلاح نفسها وغيرها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مهمة دعوية وتربوية. وأضاف أن نشر الوعي الديني، وتعريف الناس بأحكام الإسلام وعقائده وكل ما دعى إليه عن طريق الأحاديث الإذاعية والمقالات الصحفية والمحاضرات والندوات والمؤلفات العلمية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكذا محاربة البدع والخرافات، وتعريف الناس بموقف الإسلام منها وإبطال ما تمسك به أهلها من شبه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد يكون ذلك بالمقال أو الكتاب، أو الندوات والمحاضرات. وقال القصبي زلط إنه يشترط في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شروط متعددة أهمها: الإسلام والتكليف والقدرة، فلابد للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون مسلما مكلفاً، وأساس التكليف: العقل والبلوغ. وكذلك القدرة، فإن كان المسلم عاجزاً لمرض في بدنه لا يستطيع معه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سقط عنه الوجوب، ويلحق بالعجز الحسي العجز العلمي ، فالأمي أو الجاهل لا يجب عليه الأمر والنهي إلا في الجليات المعلومة كشرب الخمر، والزنى، والسرقة، وترك الصلاة، وفيما عدا الجليات المعلومة لا يجب عليه أمر أو نهي لأنه يعجز عن فهم حقائقها ومعرفة فقهها، ولو سمح له بالخوض فيها، لكان ما يفسده أكثر مما يصلحه. الأمر نفسه يؤكده الدكتور السعيد محمد علي، مدير عام بوزارة الأوقاف، مشيرًا إلى أن الأمر بالمعروف لو جردناه من هيكل معين كالجماعة، أو الهيئة لكان مسموحًا به ومقبولا للجميع، دون اعتراض، لكن التبرع من بعض الأشخاص أو الجهات المنفردة للقيام بهذا العمل في صورة كيانات مستقلة بمعزل عن النظام أو الدولة فإن هذا مهما يكن حسن مقصده مرفوض ولا يجوز لأحد مهما كان علمه أو قوته، لأنه حتما سيؤدي إلي فوضي وفتنة في المجتمع فضلا عن أنه اعتداء علي حق الدولة..لذلك فإننا نري هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي توجد في السعودية تمارس نشاطها بالتنسيق مع الدولة والشرطة السعودية، وإن كان مثل هذه الهيئة لا يتسق وطبيعة النظام في مصر، فمن باب أولي أن يتسع المجال في الأمر بالمعروف والدعوة إلي الله من خلال المنابر والندوات ومجالس العلم ونحو ذلك، كل حسب طاقته وعلمه وظروفه، دون أن يختزل ذلك في هيئة أو جماعة بعينها. وفي حين يعتبر الكثيرون الحديث المتكرر عن جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مصر نوعا من الشائعات والفزاعات، إلا أن د. السعيد يري أن ذلك جزء من الواقع الذي تعيشه مصر بعد ثورة 25 يناير، ذلك أن هناك بعض المنتمين للجماعات الإسلامية أو الجهادية ممن يتبنون الدعوة بلا خبرة أو فقه وعلم كافيين، وأتاحت لهم الثورة الإفصاح عن مكنونهم والتعبير عما يعتقدون به من سبل الدعوة إلي الله، ولعل بعض الأحداث التي أعقبت الثورة كقطع أذن القبطي وغيرها تؤكد ذلك، وإن كان علماؤهم ورموزهم أنكروا ذلك عليهم. وأشار السعيد إلى أنه لا ينبغي تجاهل وجود أفكار لدي البعض تدعو لتشكيل هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن يجب التعامل مع الأمر بجدية وأن تكثف كل من الأوقاف والأزهر والتربية والتعليم والإعلام جهودها للتوعية بضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكيف يتم ذلك ولمن الحق في القيام بهذه المهمة.