أكد قداسة البابا شنودة، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية أن بعض العناصر - أسلوبهم غير أسلوبنا وقيمهم ليست مثل قيمنا - ركبوا الموجة ودخلوا باسم التعاطف مع أحداث الإسكندرية، واستغلوا مشاعر الغضب المسيحى، فى تحقيق أهداف خاصة بهم، وهم بعيدون كل البعد عن المشكلة. جاء ذلك فى حواره مع عبد اللطيف المناوى، رئيس قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري، الذي تمت إذاعته على التليفزيون المصري منذ قليل. وإليكم ما صرح به حتى هذه اللحظات: "أبنائى الأحباء فى كنيسة القديسين بسيدى بشر بالإسكندرية أعزيكم من كل قلبى.. آلامكم هى آلام لى شخصيًا وأعزيكم فى استشهاد 20 من الأبرياء، كانوا يصلون بالكنيسة، وخرجوا من الصلاة إلى لقاء ربهم.. وأشعر تمامًا أن هؤلاء وصلوا إلى الفردوس.. وأعزى الأسكندرية كلها وأعزى كل أحبائكم فى مصر وخارجها. لقد استقبلت أمس فضيلىة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وفضيلة وزير الأوقاف ومفتى مصر.. كلهم يعزونكم فى شخصى، كما تلقيت أيضا تعزية من فضيلة الشيخ القبانى مفتى لبنان، ومن فخامة رئيس لبنان، وتلقيت تعزيات من القدس، نقلها نيافة مطران القدس من جميع الكنائس الموجودة فى فلسطين برئاستها الدينية ، والمدنية فى شخص الرئيس عباس. وتلقينا أيضا تعزية من روسيا وتعزية من كثير من رؤساء الدين المسيحى فى مصر.. ويبدو أن الامر فيه تعاطف كبير جدًا معكم، من كل الجهات. واهتمت الصحف أيضًا بإبراز تعليقاتها على تلك المذبحة التى حدثت فى الأسكندرية وأيضا السيد الرئيس محمد حسني مبارك، تكلم عن هذا الموضوع وأصر على تتبع الجناة ومعاقبة المخطئين. كل مصرى مسحيى على أرض الوطن كان يشعر بحزن وغضب ومصر ليست وطنًا نعيش فيه، وإنما وطن يعيش فينا. وردًا على سؤال المناوي حول إذا ما كانت هذه الجريمة تؤثر فقط على أقباط مصر أم موجهة إلى كل مصر. قال البابا: إنها فى الواقع أول مرة تقريبا فى عصرنا الحاضر تحدث تفجيرات من هذا النوع، مما أثار فزعًا عند الجميع سواء أقباطًا أو مسلمين.. وقد تلقيت تعزيات كثيرة من إخوتى المسلمين وزارنى بالأمس حوالى عشرة من وزرائنا ليقدموا التعزية. البلد كله شعر بأن كارثة قد حدثت والبعض من المسلمين يقولون إن الذى أصاب الأقباط اليوم ممكن أن يصيبنا غدًا، وهى مشكلة عامة من كل النواحى.. أرجو من أبنائنا أن يهدأوا .. فالبهدوء يمكن حل جميع الموضوعات القائمة لأن المشاكل تحل بالهدوء والتفاهم وليس بالعصبية والانفعال وأحب أن أقول لأبنائى فى القاهرة أيضًا أن تظاهرات كثيرة قد حدثت، وفى مجموعها ليست من الأقباط فقط لأن كثيرين قد ركبوا الموجة ودخلوا على باسم التعاطف مع أحداث الإسكندرية.. لكنهم بعيدون كل البعد عن المشكلة واشتركوا فى الهتافات المسيحية وكان أسلوبهم غير أسلوبنا وقيمهم ليست مثل قيمنا. المناوي: هل تعتقد أن المظاهرات الغاضبة حدث بها اندساس داخل التجمعات بغرض تسخين الموقف؟ طبعًا، وبعض الهئيات السياسية التى لها اتجاه خاص، وهناك هتافات منهم تجاوزت كل أدب وكل قيم بأمور لايمكن أن نرضاها ولا يمكن أن تصدر عن مسيحى أو مسلم يتمسك بالقيم والخلق.. وبعضهم أيضا حاول استخدام العنف والعنف ليس من أسلوبنا ولكن عناصر اندست وتكلمت باسم الأقباط، لكنهم بعيدون عن الأقباط وقيمهم، ولانوافق إطلاقًا على هذه التجاوزات التى حدثت. المناوي: قلت إن الإنسان فى ثورته وهيجانه تقوده الأعصاب وليس العقل، ما الذى توجهه لهم؟ أرجو فى غضب كل إنسان أن يتحكم عقليًا فيما يفعله وأن يحسب حساب ردود الفعل.. فالإنسان فى غضبه من أجل قضية معينة، يخسر القضية بأسلوبه الغاضب، حتى لو كانت تدفعه دوافع نبيلة، لكن كلنا نغضب من أجل ما يحدث من شرو، ولكننا يجب أن نحسب حسابًا لما نفعله، ونحسب حسابًا لردود فعل ما نفعله، وهكذا تتدخل الحكمة من خلال ضبط المشاعر. كيف نخرج من هذا الموقف بفرح؟ من ناحية الفرح وشعورنا بأن الله تبارك اسمه يتدخل فى كل مشكلة وفى كل ضيق حتى إن كان فيها شر، فهو قادر على أن يحول الشر إلى خير، وفرحنا بأن الله يتدخل.. والله معنا يراقب كل شىء ويضبط كل شىء.. ويحوّل كل الأمور إلى خير وبهذا نفرح." وأضاف قداسة البابا: ليست هناك تفرقة دينية ولا نستطيع منع ناس من التألم من أجل موقف، والإنسان كتلة مشاعر.. بس نقول عبّر عن مشاعرك دون خطأ ومش شايف صدام يحدث حاليًا، وعلى العكس كثير من المسلمين انضموا فى تعبير واحد عن الغضب.. وحاليًا جمعت بيننا الكارثة، وظهر شعور نبيل، وهناك عدو مشترك، يريد أن يزلزل سلام هذا البلد، ونحن لا نقبل زلزلة هذا السلام إطلاقا، ممكن ان نحتمل وأنا شاعر بأن كل المسئولين بالبلد يبذلون جهدهم لتتبع المجرمين، وهذا جهد مخلص نشكرهم عليه، ونشكر ما قام به الأطباء من مجهود مخلص ونبيل فى هذا الحادث، حيث وجدت طيارات للإنقاذ لمن لم يعالجوا فى الإسكندرية، وعولجوا فى القاهرة، ولاننكر أن مشكلة قد حدثت ونضيف إليها أن البلد كله يحاول الخروج من المشكلة. المناوي: الرئيس مبارك قال إن هناك مخططات.. فكيف ترى الوسيلة لقطع الطريق أمام الوقيعة؟ قداسة البابا: برأيي أن الدولة عليها واجب.. تشوف إيه مشاكل الأقباط وتحاول تحلها.. وإذا حدثت مشكلة.. وفى القلب متاعب.. من أمور أخرى تزداد المشكلة.. وعلى الدولة إيجاد الهدوء لتصحيح المشاعر من أمور لم تحل بعد أو ما يسمونه "الملف القبطى". المناوي: هل تعتقد أن الوصول إلى صيغة دولة.. يكون فيها القانون هو المرجع الرئيسى دون تمييز عرقي هو المستوى الذى يخرج بنا إلى الاستقرار؟ قداسة البابا: كلنا نؤمن بسيادة القانون وبأهمية القانون وأى دولة لا يوجد بها قانون تختل، ولكن هناك نقطة أخرى وهى عدالة القانون، ومن ضمن العدالة وشروطها المساواة بين الكل فى قانون واحد، وإذا وجد قانون يسىء للبعض فهذا خطأ.. فلو هناك قانون يتعب البعض.. فسيظل التعب قائمًا والقانون سائدًا. المناوي: الشراكة بين أبناء الوطن أمر مهم، وهنا تبدو أهمية المجالس التشريعية التى تُسن وتُعدل القانون.. حتى يرتاح الكل بهذه القوانين وليس البعض.. هل تعتقد أن مبدأ المواطنة يحتاج الى تدعيم تشريعى؟ قداسة البابا: أعتقد ان كلمة المواطنة كلمة جميلة.. لكن كثيرًا لا يفهم تفاصيلها، وهى كلمة تعنى أن كل إنسان فى مصر مواطن وكمواطن أتمتع بكل حقوق المواطنة بلا نقص أو تمييز، لكن البعض يتغنى بالكلمة دون الدخول فى تفاصيل المواطنة، وكيفية تطبيقها على الكل وليس البعض. المناوي: هل تعتقد أنه ينبغى أن يجلس أبناء الوطن مع بعضهم للحوار حول هذه القضايا؟ كلمة أبناء الوطن لها معان كثيرة وهناك أبناء الوطن من جانب الشعب وأعضاء مجلس الشورى والشعب من أبناء الوطن وكل الهيئات فى السلطة من أبناء الوطن فهل يجتمع ابناء الوطن، الذين لا سلطة لهم ونترك أبناء الوطن الذين فى أيديهم السلطة، وإذا ما حلو المشاكل، سيضطر البعض للهيجان، ويجب أن يسأل كل مسئول نفسه هل قام بخدمة المواطنين أم لا؟ وهل فرّق بين أى مواطن فى الخدمات أم لا؟ وأحيانا لما يتعب الناس من حالاتهم الأقتصادية والفقر والجوع ممكن أن يسخّرهم أى شخص فى اتجاه معين، مدعيًا العمل لصالحهم وصالح فقرهم، لكن هناك مشكلات قائمة مفروض أن تُحل فى حدود الإمكانات المتاحة. الخلل سواء خاصًا أو عامًا يجب علاجه، ولابد أن نتنبه إلى كل أنواع الخلل الموجودة فى المجتمع ونحاول علاجها والسكوت عنها لا يعنى أنها غير موجودة، فهى موجودة سواء مع البحث أو من غير البحث عنها. المناوي: هل حالة المواطنة على محك أم إن الحادث الأخير أثبت الترابط المصرى؟ قداسة البابا: عبارة المواطنة والوحدة المفروض تكون وحدة فى العمل والفكر والمشاعر وهنا تحول الوحدة إلى وحدة وطنية، بين المسلمين والأقباط وهناك وحدة أيضًا على مستوى الأحزاب والسياسة، ولا يجب أن يكون هناك خط ماشى وآخر يسير ضده، والوحدة تحتاج غلى مفهوم عام يؤمن به الجميع، وبعد المفهوم العام تكون هناك وسيلة لتحقيق هذا المفهوم، وكل هذا يحتاج إلي ثقافة اجتماعية وسياسية وروحية وأيضا نحتاج إلى تثبيت قيم معينة، والشخص الذى لا يحب أن يعيش مع الجميع لا يستحق الوحدة الوطنية وينبغى التوحد. المناوي: هل المذبحة الأخيرة أثبتت أن هناك قاعدة راسخة عند المصريين بأن هناك حالة ارتباط وثيقة وتوحد؟ قداسة البابا: أتمنى أن يستمر التوحد الذى رأيناه بين المسلم والمسيحى، بعد حادث الإسكندرية، وعلينا أن نؤكد التفاهم لاستمر ار التوحد وعلى الإعلام والصحافة المشاركة فى التوحد، وأحيانا أقرأ فى الصحف كلامًا، أفتكر منه الدنيا خربت، وأقرأ جريدة أخرى، تؤكد الوحدة تمامًا، لكن هذه نتيجة طبيعية لتعدد الأحزاب.. لكن نتمنى أن تجمع الأحزاب وحدة وطنية أيضًا. المناوي: هل الإعلام فى تناوله لمسائل دينية.. يحتاج إلى سلوك قيّم للتعامل مع القضايا الدينية التى تسبب بعض الاحتقان؟ قداسة البابا: أنا أرى بعض الصحف تهتم بسرعة السبق فى النشر دون التأكد من دقة الخبر، لكن حتى عندما تتدقق.. دا مش بيحصل، وكثيرًا ما نسمع عن كلمة "مصدر موثوق به"، فمن هذا المصدر ومن أين جاءت الثقة فيه، وأنا تُنشر عنى أحداث غير صحيحة تمامًا، والصحف لها عدة أغراض الأول الخبر، والغرض الآخر الثقافة الشعبية، فالعنصر الذى به أخبار يحتاج إلى دقة وأحيانًا بعض الصحف تلجأ إلى عنصر الإثارة، إما إثارة من الناحية المالية أو السياسية أو الجنسية والأخلاقية لكننا المفروض أن نبحث عن الصحافة التى تعطى الخبر بدقة ليست له ردود فعل سيئة. المناوي: لقاؤك مع شيخ الأزهر هل يمكن لهذا اللقاء نبنى به دولة واحدة؟ قداسة البابا: تقريبا اللقاء كان يشمل أمرين، الأول العزاء ويشكرون عليه، والأمر الثانى، التفكير فى تكوين ما يسمى العائلة المصرية، واقتراح أسماء تدخل فيها ويجتمعون ويبحثون وتنشر هذه الأبحاث فى الإذاعة. المناوي: أيام قليلة تفصلنا عن الاحتفال بعيد الميلاد فهل هناك احتفالات وهل سيقام القداس أم لا؟ بالنسبة لى أقول إننا سنحتفل بعيد الميلاد المجيد، لأن ميلاد السيد المسيح حدث مهم بالنسبة لنا، ولولا المسيح ما صرنا مسيحيين، وعدم الاحتفال بالعيد معناه أننا غير متدينين من جهة، ومن جهة أخرى تصعيد الأمور بطريقة خطيرة، لا تؤدي إلى نتيجة، وعدم الاحتفال بالعيد نوع من الاحتكاك بالدولة، وعدم الاحتفال به يعنى أننا تحكمنا الأعصاب وليس العقل، وهذا ليس من طبعنا، وهناك أمر مهم أن هناك مشاكل تحتاج إلى مدى زمنى تحل فيه. المناوي: أيام قليلة وتقوم برحلة علاج إلى الولاياتالمتحدة.. ماذا تقول لأبنائك؟ قداسة البابا: أقول لأبنائي، قبل السفر للعلاج بأمريكا، ينبغى أن تكون لكم والكنيسة الأم سياسة واحدة. المناوي: ماذا توجه لأبناء الوطن؟ قداسة البابا: أبناؤنا فى القاهرة التي تكثر بها المظاهرات، ويندس بينهم أشخاص، ينسبون أنفسهم إلى الأقباط ، وهم لايمتون إلى الأقباط بصلة، أقول لهم المشاكل تحل بالهدوء وليس بالهياج، وأن هناك بعض الأخطاء تعطل قضيتهم بما يحدث وما يحدث من غيرهم وينسب إليهم ونحتاج لدور الدولة لتهدئة الناس. المناوي: الكلمة السابقة كانت لأبناء القاهرة.. فماذا عن أبناء الوطن؟ قداسة البابا: البلد بلدنا كلنا وخيره خير لنا جميعا وضرره ضرر للجميع ليتنا نعيش فى محبة وسلام ولا نترك سببًا يجعل الغير يتدخل بيننا. المناوي: نشكركم قداسة البابا.. ونتمنى لنا عيدًا سعيدًا يمر علينا بسلام وخير.. وعودة سالمة من رحلة العلاج. قداسة البابا: شكرًا لك.