من الجيد أن تشاهد عملاً سينمائياً خالصاً عن الثورة خصوصاً إذا كان عرضه سيكون في مهرجان بلدك.. فيلم "الشتا اللى فات" والذى يعرض حالياً في الدورة ال 35 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي. فهو واحد من الأعمال التى ترصد أسباب قيام ثورة يناير، ويلعب بطولته الفنان عمرو واكد، فرح يوسف، وصلاح حنفي، ويخرجه إبراهيم البطوط. قصة الفيلم تدور بين 3 شخصيات، منها إعلامية اضطرت إلى أن تجامل الحكومة خلال عملها بالتلفزيون ضماناً وحفاظاً على مكانتها ودرجتها الوظيفية، وضابط أمن دولة يستخدم سلطاته ونفوذه في تعذيب المواطنين بحجة حمايته للبلاد، وأخيراً شاب يجسد دوره عمرو واكد بسبب إعلانه عن موقفه من الأوضاع في غزة عام 2009 يتم تعذيبه في معتقلات أمن الدولة، ليخرج منها مجرد شخص "أخرس" وضعيف. تميز الفيلم بجودة الصورة العالية التى قدمها مخرجه إبراهيم البطوط في تصويره، وهى المنطقة التى ميزته بين كثير من مخرجين جيله، الذين صاروا على نفس دربه من صناع ما يطلق عليها "السينما المستقلة". هذا بالإضافة إلى أداء أبطال العمل المميز فكلاً منهم اجتهد في رسم ملامح دوره، فمثلاً شخصية عمرو وأكد التى قدمها في العمل صحيح أنه لم يتحدث في الفيلم سوى مرات قليلة إلا أن تعبيرات وجهه استطاعت أن تصل بالمشاهد لما يريد التعبير عنه بالكلام، فمثلاً بعد مشهد خروجه من معتقل أمن الدولة عام 2009 عاد إلى منزله ليصدم بجيرانه الذين يستقبلونه بنبأ وفاة والدته مريضة السكر التى ظلت تبحث عنه منذ اختفائه إلى أن علمت بخبر اعتقاله، حيث ظهرت عليه ملامح الحزن والحسرة في أنه لم يستطع رؤية والدته قبل وفاتها، وظل يدور بعينه مثل كاميرا الزووم داخل جدران المنزل. وأيضاً تميز عمرو في مشاهد أخرى، والتى كان يشاهد فيها أحداث الثورة بالتلفزيون أو حينما تقوم جارته بسؤاله عن أحوال البلد وماذا يحدث بها، حيث يظل "عمرو" كما هو اسمه بالفيلم صامتاً ينظر إلى الأشياء بحالة من عدم التصديق والخوف في البداية لكونه تعلم الدرس الذى أخذه في معتقلات "أمن الدولة" قبلها بعامين. أما الإعلامية "فرح" والتى قدمت شخصيتها الممثلة فرح يوسف، فقد اقتربت كثيراً من وجوه الإعلاميات المنفقات على أرض الواقع الذين كانوا دائماً يجاملون النظام حفاظاً على مكانتهم، وفجأة أصبحوا متحولون لكن الفارق هنا بين شخصية "فرح" وغيرها على أرض الواقع أنها شعرت بالذنب تجاه نفاقها وريائها خصوصاً بعد أن واجهها أحد الثوار بحقيقتها حيث قامت بتسجيل فيديو قالت فيه "إنها كانت تستغل من القيادات وفعلت ذلك للحفاظ على مكانتها" ونظراً لأن الاتصالات في وقت الثورة كانت مقطوعة فلم تستطيع تحميله على الانترنت إلا من خلال حبيبيها القديم "عمرو" الذى تركها بعد أن أصبحت تساير السلطة من أجل مصالحها، نظراً لامتلاكه تليفون ستالايت، وهو ما يعرضه للمخاطرة مع أمن الدولة مرة أخرى نظراً لأن من يمتلكون أجهزة الستالايت قلائل ومعروفين لدي هذا الجهاز بالاسم. أما شخصية ضابط أمن الدولة فكانت مفاجأة لأن من قدمها هو وجه جديد وهو الممثل ومنتج الفيلم صلاح حنفي، حيث استطاع ابراز قوة وهيبة رجل أمن الدولة فقط من خلال تعبيرات وجهه برغم أنها تجربته الأولى، في حين أنه على الجانب الآخر يقوم بمعاملة أولاده وزوجته بنعومة إلى حد ما. وعلى الجانب الآخر، فالفيلم حمل خطأ بارز في أحداثه تمثل في عدم إظهار شخصية بطله "عمرو" فلم يعرف إذا كان ناشط سياسي كما كانت الأخبار تنشر عن الفيلم بذلك أو أنه يعمل مونتير نظراً لأن غرفته تحتوى على عدة أجهزة وشاشات تلفزيونية، وهو ما أكده أيضاً منتج الفيلم وبطله صلاح حنفي في الندوة التى لم يحضر فيها إلا سواه، حيث أوضح أنهم لم يظهروا وظيفة البطل طوال الفيلم في حين أنه يعمل مهندس تكنولوجيا. ورغم أن أحداث الفيلم تدور بطريقة الفلاش باك، إلا أن المخرج أفرط كثيراً في استخدامها بشكل يصيب المشاهد بالملل في منتصف الأحداث. هذا بالاضافة إلى أنه رغم أن أحداث العمل ترصد فترة عامين قبل الثورة اختزلت فقط في قضية تعامل أمن الدولة مع المواطن السياسي أو ذو الرأى، وهو ما استدعى لقيام الثورة إلا أنها لم تعط تفاصيل أكثر لعلاقة هذا الجهاز والتعرف على بعض من أسراره، وإن كان يمكن التجاوز عن ذلك بهدف أن الفيلم يرصد سقطة معينة في هذا الجهاز وهى "تعامله مع المواطن المصري" ولكن الأهم من ذلك والذى لم يتم لمسه طوال أحداث الفيلم أنه لم يعطى شحنة ثورية مثل غيرها من الأعمال التى يمكن أن تناقش فترة ما قبل الثورة وترصد سلبياتها، ودون أن تنتهى أحداثها بقيام الثورة لكننا نشعر بها في أنفسنا طوال الأحداث، وهو ما يدل على أن فيلم "الشتا اللى فات" عمل عن الثورة خلى من روحها.