زينات صدقي.. وصفها نجيب الريحاني بأنها ممثلة من العيار الثقيل تعرف تجذب الجمهور إليها، بملامح جميلة تحمل طابعا أوروبيا ببشرة بيضاء مشربة بالحمرة وعيون ملونة، مغموسة بالروح المصرية الأصيلة لتتوج ملكة على عرش الكوميديا.. إنها ورقة الكوميديا الرابحة، وعانس السينما المصرية، بنت البلد المرحة. ولدت زينب محمد سعد الفولي في 4 مايو 1913م بحى الجمرك بالإسكندرية، كانت أصغر أربع شقيقات هن: سنية، رسمية، دولت، فاطمة، والدها تاجر، ووالدتها من بنات بحري تُدعى حفيظة حسن، رفضت الالتحاق بكتاب الشيخ جلهوم كشقيقتها فألحقها والدها بكتاب الشيخ بلال بجوار المسجد الكبير بالحى، وأطلق عليها الشيخ "زينب البرنجية" لسرعة حفظها، واستطاعت خلال عامين حفظ أجزاء كثيرة من القرآن، مما أهلها أن تلتحق بالمدرسة التي تشترط حفظ مقدار معين من القرآن فسبقت أخواتها الأكبر سنا، وظلت بها حتى سن العاشرة، ثم تحولت المدرسة إلى مدرسة إلزامية مع دستور 1923م لتصبح في الصف الرابع الإلزامي وحققت تفوقا وانضمت لجماعة الخطابة، وفازت بجائزة مسابقة وزارة المعارف للخطابة وقدرها جنيه و250 مليما، أخرجها والدها من المدرسة في سن الثانية عشرة بتأثير من أخيه الأكبر لأنها أصبحت تلفت الأنظار، وزوجها في سن الخامسة عشرة من ابن عمه الطبيب، إلا أن الزواج لم يستمر سوى 11 شهرا عانت فيها من سوء معاملة وحبس بالمنزل، وطُلقت بعد وفاة أبيها . اتجهت إلى الغناء في الأفراح بعد اقتراح من صديقتها "خيرية صدقي" التي أخذت منها لقب صدقى، وتشجيع من والدتها حتى يمكنها إيجاد قوت يومهما، وتقاضت عن أول فرح جنيها كاملا، واستمرت كمغنية أفراح حتى ذاع صيتها وعملت في كازينو محمد على بالإسكندرية، ومع الأزمة الاقتصادية التي ضربت مصر في 1929م، تركت العمل حتى عرفها عبد العزيز محجوب بالفنانة حورية حسن التي ضمتها لفرقتها بتياترو "مونت كارلو" كمونولوجست مع إسماعيل ياسين بأجر 25 قرشا في الليلة في شهور الصيف، ثم طرقت أبواب الإذاعات الأهلية بالإسكندرية وفشلت؛ لأن عليها أن تدفع مقابل إذاعة أغانيها حتى تنال الشهرة وتحصل على راتب منهم. رأت أعلانا على باب مسرح محمد على الذي عادت للعمل به ونص على الإتى: (يعلن الأستاذ زكي طليمات عن افتتاح معهد أنصار التمثيل والخيالة في منطقة رشدي على الكورنيش، وأنه يسعده أن يستقبل الدارسين والدارسات اعتبارا من يوم الأحد 5 نوفمبر 1930 لدراسة فن الدراما والإلقاء وأصول التمثيل). أخذت قرارها بالدراسة بالمعهد، وفوجئت إنه مجاني بل ويمنح الطلبة وخاصة الفتيات راتبا شهريا مقداره 4 جنيهات؛ تشجيعا على الدراسة، واجتازت المقابلة الشخصية، وانتظمت بالدراسة به حتى أبلغهم زكي طليمات في 16 أبريل 1931م قرار الحكومة بإغلاق المعهد لمخالفته التقاليد، فتزعمت الطلاب ووقفت على خشبة مسرح المعهد تهتف ضد الحكومة، ثم انضمت زينب إلى "جمعية الحمير" التي أسسها زكي طليمات اعتراضا على قرار الحكومة وانضم لها الفنانون والكتاب والصحفيون وطلابه بالمعهد ومن الأسماء البارزة توفيق الحكيم، العقاد، طه حسين، زوزو حمدي الحكيم، رفيعة الشال، روحية خالد وغيرهم. عملت في ثلاثة أماكن يوميا حتى انهكت نفسها وأصيبت بالتهاب رئوي حاد أودعت على أثره المستشفى في حالة سيئة استغرق علاجها شهرين، انتقلت بعد خروجها من المستشفى إلى منزل على البحر حسب نصيحة الأطباء، وأصابها "وسواس النظافة" خوفا من عودة المرض إليها. عملت بفرقة ماري منصور، ثم تعاقدت للعمل في بيروت بأجر 30 جنيها في الشهر هربا من عمها الذي علم بعملها في المسارح، وسافرت في مارس 1932م ونالت شهرة كبيرة ولقبت هناك "الست زينب المصرية"، وأهداها "سليم الطرابلسي" أحد المعجبين كلمات أغنية باسمها، وعادت إلى الإسكندرية في يوليو 1932م بعد أن نالت علقة ساخنة من فتحية أحمد لغنائها أغانيها الجديدة قبل أن يسمعها جمهور الشام منها وهوما يعتبر سرقه لها. انتقلت إلى القاهرة عملت وصديقتها التي لم تفارقها في رحلتها الفنية "خيرية صدقي في صالة بديعة مصابني التي ضمتها لفرقتها كراقصة، ووفرت لها مدرب رقص وتعلمت الرقص بالشمعدان، إلا أنها لم تجد نفسها في الرقص، وتحدثت مع السيدة بديعة عن رغبتها في تقديم المنولوج، فقدمتها إلى نجيب الريحانى الذى اقترح عليها تغيير اسمها إلى زينات صدقي حتى لا يختلط الأمر مع الفنانة زينب صدقي الموجودة بالفعل في فرقته، وضمها لفرقته بمرتب شهري قدره 12 جنيها لتبدأ معه حياتها في التغيير، وقدمت أول دور صامت لها على خشبة المسرح. بدأت في فرقة الريحاني ككومبارس صامت، ثم حصلت على أول دور متكلم في مسرحيته "الجنيه المصري" عام 1932م، ثم مسرحية "الدنيا لما تضحك" 1935م، والتي حققت لها شهرة كبيرة وفتحت لها باب النجومية، وتزوجت خلال عملها بالفرقة من إبراهيم فوزي الملحن بالفرقة 1933م و تطلقا بعد ثلاثة أشهر، اتجهت إلى السينما وكان أول أفلامها فيلم "الاتهام" . عملت لفترة مؤقتة بفرقة فاطمة رشدي، ثم فرقة رمسيس، وفرقة معهد أنصار التمثيل، ثم التحقت بفرقة إسماعيل يس عام 1954م وشكلت معه ثنائيا ضاحكا فى العديد من الأفلام، وشاركت في أكثر 300 مسرحية منها "الست عايزة كدة 1955م، صاحب الجلالة 1955م، أنا عايزة مليونير 1956م، عايز أحب 1958م، منافق للإيجار 1960م، وغيرها. مثلت مع معظم الفنانين مثل يوسف وهبى، وشادية، وعبدالحليم حافظ، وأنور وجدى وعبد السلام النابلسى وغيرهم، وبلغ رصيدها السينمائي نحو 400 فيلم منها: ابن حميدو، شارع الحب، حلاق السيدات، معبودة الجماهير، وآخر أفلامها بنت اسمها محمود 1975م، كما عملت فى الإذاعة ببرنامج ساعة لقلبك عام 1960م. اختفت الأضواء عنها فى الستينيات وتبدلت أحوالها فكتب الكاتب الصحفي جلال البنداري مقالا كبيرا في جريدة أخبار اليوم، جاء فيه: (لم أصدق أن فنانة عظيمة من تلميذات الريحاني يحدث لها هذا، وأن أخف الممثلات دما تضطر إلى أن تبيع أثاث بيتها قطعة قطعة لأجل أن تسدد الضرائب وأن تأكل، لأنها تجلس بلا عمل، ويمنعها كبرياؤها أن تطلب المساعدة من أحد، وفي الوقت نفسه، من دون أن يشعر بها أحد من الدولة). قرر الرئيس جمال عبد الناصر بعدما قرأ المقال تكريمها، فكُرمت مع نخبة من الفنانين في عيد العلم في ديسمبر 1966م، وحصلت على شهادة الجدارة ومبلغ 100 جنيه، وعاد المنتجون ليطرقوا بابها، كما قرر الرئيس أنور السادات منحها معاشا شهريا استثنائيا نحو 100 جنيه، وقام بتكريمها فى عيد الفن عام 1976. أصيبت زينات صدقى بماء على الرئة وهبوط فى القلب توفيت على إثرهم في 2 مارس 1978م، ودفنت بمدفنها الذي وهبته لعابري السبيل وكتبت عليه مدفن للصدقة.