ما أن تطأ قدماك فى حى الديرى العتيق أحد أقدم أحياء محافظة بنى سويف، حتى تلفحك الروائح المميزة ويستقبلك العبق الرمضانى الأصيل .. حيث يفوح من هذا الحى علامات فريدة تحكى عن عظمة أبناء" لؤلؤة الصعيد" .. كما أن الزائر لأى بقعة بالحى القديم، تتودد إليه الفنون وعظمة الصناعات النادرة والحرف التراثية التى تقبع منتظرة أصحاب الذوق الأصيل.. فى هذا الحى الجميل بداية من مسجد الديرى العتيق وانتهاء بحرفة الفوانيس اليدوية التى حاربت الفن الصينى الهابط وانتصرت بالصنعة والفن الأصيل وأصحاب الأصابع الذين تفردوا وبهروا كل من تعامل مع منتجاتهم . «الأهرام المسائي» التقى ثلاثة من أرباب تلك المهنة أبناء الفنان الراحل كمال جودة وهم حسن وعادل ومحمد الذين ذاع صيتهم من أبواب القاهرة القديمة إلى أسوان ووضعت الفوانيس التى صنعوها فى مقدمة كل مكان يبحث عن عودة جمال الليالى الرمضانية . فى البداية يقول نجله الأكبر حسن: انتشرت صناعة الفوانيس منذ قديم الأزل خاصة فى باب الخلق وامتدت بعدها للعديد من المحافظات وكانت بدايتها فى محافظة بنى سويف وذلك لقربها من القاهرة وكان الفنان كمال جودة أول من تعلم مهنة صناعة الفوانيس وكان عمره وقتها 6 سنوات وتتلمذ على يد محمد الفوانسجى بباب الخلق بالقاهرة بعد أن أرسله والده إلى هناك لأنه كان يحتاج لتطوير صناعة الفوانيس بالمحافظة حيث كانت تقتصر على صناعات بدائية ل «بوابير الجاز » والصوانى .. ثم رجع الصغير من القاهرة لينشر مهنة صناعة الفوانيس اليدوية وصناعات أخرى قريبة منها ثم ورثها لأبنائه وأحفاده قبل أن يتوفى عن عمر ينهاز ال 77 عاما . وأضاف حسن بصوت يملؤه الود :«كنت على ثقة تامة بأن موضة الفوانيس الصينى موجة وستنتهى سريعا وسيعود الأهالى للأصل وبالفعل عادت فوانيس رمضان اليدوية إلى مكانها الطبيعى بين محلات بيع الفوانيس بعد أن أصبحت الفوانيس الصينى موضة وعدت .. وتلألأت الفوانيس ذات الألوان المبهجة والزجاج الملون هنا وهناك وعادت حرفتنا للسطح من جديد وأصبحت أكثر رواجا وإقبالا من قبل المواطن » .. مشيرا إلى أنه لم يقف تعليم الوالد لنا على صناعة الفوانيس بل جعلها تجرى بعروقنا مجرى الدم وهو ما يجعلنا نحافظ عليها ونعلمها أيضا لأبنائنا ولا نقوم بصناعة الفوانيس فقط لأن ربح الفوانيس يقتصر على شهر شعبان ورمضان لذا علمنا الوالد مهنا أخرى نستخدم فيها أدوات ومستلزمات صناعة الفوانيس فنقوم بصناعة أفران الكنافة والحواوشى و»الفتارين« وشواية الكباب والمداخن وهلال المساجد والشيش بأنواعها . وقال: لا نقوم حاليا بالتصدير للمحافظات الأخرى إلا فى أضيق الحدود حيث أن الإنتاج مقارب للطلب ببنى سويف وكان والدى فى السابق يصدر إلى فرنسا ومحافظتى الأقصروأسوان لتزيين الحنطور للسياح وكان الإقبال دائما على فانوس النجمة ولكن تعرضنا لانتكاسة فى صناعة الفوانيس عندما غزت مصر الفوانيس الصينية واستمر الحال على ما هو عليه لمدة 6 سنوات .. ولكن سرعان ما اختفى هذا الشبح وعاد الإقبال على الفوانيس البلدى ذات الشمعة والباب الجانبى . ويشرح لنا الابن الأوسط عادل بعض أسرار صناعة الفوانيس ومتطلباتها قائلا : معظم الفوانيس الآن مطلوبة بزجاج ملون ومكتوب عليها الآيات القرآنية بالخط العربى وخاصة طلبيات لفنادق والشركات والخيمة الرمضانية لذا نرسل الزجاج أولا قبل الشروع فى الصناعة لمتخصص فى محافظة الجيزة لتلوين الزجاج والكتابة عليه ثم نعود به مرة أخرى ونقوم بتجهيز مقاسات الصفيح المطلوبة لكل فانوس ونقوم بعملية الثنى واللحام والصندقة ثم نقوم بتجهيز القباب والقعود وهى الأجزاء الموجودة أعلى الفانوس وأسفله وآخر مرحلة هى تجميع الفانوس بعد تثبيت الزجاج . وأضاف أن هناك نوعا آخر من الزجاج اسمه الزجاج الشربتلى ونقوم نحن بتلوينه عن طريق وضع"التفته والجملكة والسبرتو" فى الشمس لمدة 3 أشهر ثم نمشط به الزجاج فيصبح لونه مثل لون الشربات وله أيضا زبونه ونحتاج فى مراحل التصنيع إلى الصفيح والذى نشتريه من باب الشعرية والزجاج ولحام القصدير والمقصات والكردون وأخيرا الدقماء والثناية واللهب، .. ويحكى قائلا : نقوم فى النهاية بصناعة 100 شكل وحجم من الفوانيس أشهرهم النجمة وأبو عرق وكتاب حياتى وعفركوش وأبو عياله والبرج الكبير ...ويتراوح سعر الفانوس بين 6 جنيهات و500 جنيه حسب الطلب . وأنهى الابن الأصغر محمد الحديث قائلا:"كان والدى وعمى حسن ومعهما جدتى يقومون بصناعة صوانى العرائس المرسوم عليها وكذلك صوانى الشاى النحاسية ولمبات الجاز رقم 10 و15 فضلا على أباريق الوضوء والبوابير بجانب صناعة الفوانيس".