تواصلا مع مقال الأسبوع الماضي؛ نجد أن المعلم قد فقد بريقه؛ و من ثم أصبح وجود قامة مثل قامة الأب في المدرسة؛ مثل ما حدث مع جيلي والأجيال السابقة؛ حدثاً فريداً؛ وهو ما أفقد المنظومة التعليمية رونقها؛ وبالتالي؛ لا يمكن أن تقوم بدورها على الوجه الأمثل. فالمنظومة التعليمية تقوم على أركان أربعة؛ الطالب؛ الدرس؛ المدرس؛ المدرسة؛ فحينما يختل توازن أحد الأركان؛ بالطبع سيؤثر على بقيتهم؛ فما بالنا بوجود بعض العوار في الأركان الأُخرى. فالمدرسة؛ لم تعد جاذبة كما كانت في الماضي؛ وتحولت لمكان يلتقي فيه الطلاب لمتابعة الدراسة أو لإثبات الحضور؛ وقد خلت من حصص التربية الموسيقية؛ وكذلك الرياضية؛ ومنها من قلصت "الحوش" الخاص بها؛ فأضحت "الفسحة كئيبة" وإذا سألنا عن عناصر الإبهار في المدارس؛ سنجد جزءًا قليلًا منها يباهى به؛ أما البقية؛ فقد طغى المظهر على الجوهر؛ وبات المهم هو كيفية الحصول على مجموع كبير في الثانوية العامة؛ دون النظر لطريقة الحصول عليه؛ ووقائع الغش الجماعي ما زالت عالقة بالأذهان! أتذكر فترة المرحلة الثانوية؛ كنت مسئولًا عن الإذاعة المدرسية؛ وأبدأها بقراءة القرآن الكريم؛ وكان صوتي شبيه بصوت الشيخ محمود الطبلاوي عليه رحمة الله؛ وبعد أن أنهيت قراءة خواتيم سورة الحشر؛ فاجأني صديقي سامح مسيحي الديانة؛ بحفاوة شديدة وأثنى علي؛ وحاول إقناعي بتنمية تلك المهارة؛ ونحن في الفصل الدراسي؛ الذي كان يجمعنا بكل الود و الاحترام و الحب؛ وكنا نفترق في حصة الدين فقط؛ وكنا نتزاور في مناسباتنا المختلفة للتهنئة والاحتفال بها. لم أذكر أن جاء يوم كان اختلاف الديانة عائقًا بأي شكل أمام صداقتنا؛ وكان الأمر كذلك فيما بين طلاب الفصل؛ حتى في حصص الدين كانت دائما تحض على تعميق العلاقات فيما بيننا؛ وفي نفس السياق نتذكر جميعا؛ ما حدث في أحد سرادقات العزاء لسيدة مسيحية؛ ذهب أحد الشيوخ لتقديم واجب العزاء؛ فطلب أهلها أن يقرأ عليهم ما تيسر من سورة مريم؛ عزاء مسيحي؛ يتلى فيه القرآن؛ أي روعة وعظمة؛ تلك الحالة الجميلة من صفاء النفوس وحب الآخر. حتى بدأت الفضائيات في الظهور؛ وما أعقبه ذلك من شحن للنفوس؛ وهنا لا أتحدث عن القنوات الدينية فقط، ولكن عن قنوات كثيرة؛ تلعب على الأوتار الحساسة؛ ولأن هناك فراغاً كبيراً تركته المدرسة؛ وجدت تلك الفضائيات التربة خصبة تفعل بها ما تشاء؛ إلا من رحم ربي؛ ويحرص على تعليم أولاده القيم السليمة؛ لينمو في بيئة جيدة راقية. نحتاج اليوم للتحدث عن الحاضر والمستقبل بنفس التقدير والاحترام الذي نُكنه لتاريخنا؛ نعم نحن أصحاب الحضارة التي علمت البشرية كلها؛ ولكننا في غفلة من الزمن سمحنا لقيم بالية أن تتسرب إلينا وتعمي بصيرة عدد منا؛ فظهرت مسميات التعصب والتنمر وغيرها من الموبقات التي نمقتها جميعا. نملك الأزهر الشريف؛ أقدم جامعات العالم؛ كما نملك الكنيسة المقدسة أحد أعرق كنائس العالم؛ كما نملك حضارة احتفى بها العالم منذ أيام قليلة؛ ينقصنا تعميق القيم والمبادئ السمحة؛ التي تربينا عليها؛ ينقصنا طرد السوء الذي طغى على حياتنا؛ في مناح متفرقة. لابد من إعلاء قيمة المدرسة مرة أخرى؛ فقد كانت البذرة الجيدة التى تغرز في نفوس الأبناء السلوك السليم؛ نحتاج لأن يكون تدييٌننا مبنيًا على أصول الدين التي تدعو للسلام و التسامح و المحبة والرحمة؛ نحتاج لإعلام يُدٌعم كل ذلك. ولأننا نملك كل تلك المقومات؛ فلابد من استعمالها و ترتيبها بما يناسب قامة مصر؛ مصر التي مر بها المسيح عليه السلام وأمه سيدتنا مريم خير نساء العالمين؛ كما عاش بها سيدنا موسى عليه السلام؛ وسيدنا يوسف عليه السلام؛ وسيدنا الخضر عليه السلام. مصر التاريخ تبدع اليوم في صناعة الحاضر؛ وتعمل بجد غير مسبوق في التخطيط لمستقبل مبهر؛ ولكنه يستلزم حتى يؤتى ثماره؛ الحفاظ على الشخصية المصرية الأصيلة.