يحتل "زيت الميرون" في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مكانة مقدسة؛ فهو السر الثاني من أسرار الكنيسة السبع (سر التثبيت) ، والميرون كلمة يونانية تعني طيب مقدس. قامت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بإعداد زيت الميرون وذلك للمرة الأربعين في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وللمرة الثالثة في عهد البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، حيث انتهت من إعداده أمس الخميس. يتكون زيت الميرون من 27 مادة عطرية، ذُكرت جميعها في "الكتاب المقدس"، حيث تخلط تلك المواد بنسب معينة مع زيت الزيتون النقي، وهذه المواد لاتزرع كلها في مصر. بعض تلك المواد معروف ومنتشر مثل:"جوزة الطيب، والحبهان، والزعفران، والقرفة، والقرنفل، والقرفة الخشبية، واللافندر، والبعض الآخر غير متداول اسمه مثل الأصطرك، والبسباسة، وحصا لبان، ودار شيشعان، ودار سين، وزر نباد، وسنبل الطيب، والصبر السقطري، والصندل المقاصيري، وعرق الطيب، وعود قاقلي، وقسط هندي، وورد عراقي، ولادن، ومر". يتم تحضير "زيت الميرون" في الكنيسة على مدى يومين، وذلك منذ عام 2014 حيث كان يتم إعداده بطريقة ال(5 طبخات)، ويستغرق إعداده أسبوع حتى انعقد المجمع المقدس في جلسة طارئة بفبراير 2014، وتم فيها مناقشة عملية استخلاص المواد العطرية والاستعانة بما هو حديث لاعداد "زيت الميرون". لقى الأمر آنذاك معارضة من بعض الأشخاص والحركات القبطية متمسكين بالطريقة التقليدية التي كانت فيما سبق، وقد قام البابا إثر ذلك بكتابة مقال شديد اللهجة في مجلة الكرازة (الجريدة الرسمية للكنيسة القبطية) في مارس 2014، مؤكدا فيه غيرته على الكنيسة الأرثوذكسية وعدم انتظاره لأحد أن يعلمها له . وتم إعداد "زيت الميرون" مثلما أراد البابا تواضروس وبقرار من المجمع المقدس بعد مناقشة تطوير عملية الاستخلاص والاستعانة بما هو حديث في جلسته المنعقدة آنذاك ليصنع بهذه الطريقة في أبريل 2014. في اليوم الأول من إعداد "زيت الميرون" يحمل الآباء المطارنة والأساقفة مواد الميرون بعد استلامها من البابا تواضروس ويدخلون في موكب كبير يتقدمه الشمامسة بالألحان إلى الكنيسة التي تتم فيها عملية الإعداد. ويقوم البابا تواضروس ومعه الأساقفة بخلط الزيوت العطرية على 6 مراحل، وبعد الانتهاء من عملية الإعداد يصلي البابا تواضروس والإكليروس (رجال الدين المسيحي) القداس وينتظرون لليوم التالي للقيام بتقديس الميرون. في اليوم التالي توضع أواني الميرون على عتبة باب الهيكل (أكثر الأماكن قدسية داخل الكنيسة)، ويشترك البابا والأساقفة في صلوات تقديس الميرون ثم يصلون القداس. يحضر زيت الميرون بعد تقديسه قداسات الصوم الأربعيني (الصوم الكبير) وفي فجر يوم شم النسيم تتم إضافة الخميرة المقدسة إليه ليصبح بعدها جاهزا للتوزيع على الكنائس والإيبارشيات. ويقوم البطريرك والأساقفة بتوقيع تقليد عمل الميرون المقدس، وهو مثل محضر إثبات هذه اللحظة التاريخية ويتضمن التقلي فيها العنوان والزمان والمكان وفي النهاية توضع فيها توقيعات الآباء المطارنة والأساقفة، ويتم عمل 3 نسخ نسخة في سكرتارية المجمع المقدس ونسخة في المقر البابوي بالقاهرة ونسخة يحتفظ بها الدير الذي تم عمل الميرون فيه. ولزيت الميرون استخدامات عديدة داخل الكنيسة (زيت المسحة المقدسة)، حيث يتم استخدامه بعد تعميد الأفراد مباشرة بأن يمسح رجل الدين (الكاهن أو الأسقف أو البطريرك) عند الفم والأذنين والعينين والرأس والقلب والسرة والرجلين والكتفين بحيث يبلغ عدد المسحات المقدسة 36 مسحة وفقا لطقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وبهذه المسحات المقدسة يتم غلق المنفذ أمام الشيطان للدخول لهذا الشخص والتمكن منها بحسب العقيدة المسيحية. كذلك يستخدم زيت الميرون في تقديس مياه المعمودية وتدشين الكنائس وتكريس مذابح الكنيسة (بالمسح عليها بزيت الميرون). يسجل تاريخ الكنيسة القبطية أن زيت الميرون تم صنعه 40 مرة، وأول من قام بصنعه هو البابا أثناسيوس الرسولي (326 -372)، وقد صنعه مرة واحدة أثناء حبريته. وقال البابا تواضروس الثاني في كلمته أثناء صنع الميرون:"نشكر الله أنه أعطانا أن نأتي إلى هذه الساعة المقدسة، ونشترك جميعًا في إعداد الميرون المقدس للمرة رقم 40 في تاريخ كنيستنا القبطية الأرثوذكسية." وأوضح البابا تواضروس أن زيت الميرون يمكن أن يصنع في أي مكان وأي زمان وربما يعطينا الله في المستقبل أن يصنع خارج مصر أيضًا. ولفت إلى أن الميرون يمكن أن يُعَد في أي زمان ولكن جرى العرف على إعداده في فترة أسبوع الآلام. واستطرد :"نحن في زمن الجائحة تعطل صنع الميرون العام الماضي بسبب قيود السفر والعزل والحظر، ولكن وجدنا مع انفراج الأزمة قليلًا أن نجتمع، كل المجمع المقدس، في فترة زمنية محدودة ونتمم عدة خدمات مراعاةً للوقت والظروف، وللآباء الذين يسافرون من بلاد كثيرة". وتابع البابا:"فكان المجمع المقدس الخميس 4 مارس الماضي وقبله اللجان، ويوم السبت والأحد كانت سيامة الأساقفة الجدد وتجليس الأساقفة، ويوم الاثنين كان التذكار السنوي الأول للمتنيح الأنبا صرابامون، ويوم الثلاثاء كان اليوبيل الذهبي لنياحة البابا كيرلس السادس. ونوه البابا إلى أنه في تاريخ الكنيسة لم تجتمع كل هذه المناسبات في هذه الفترة الوجيزة، متابعا:"وجدنا من المناسب مع وجود الآباء أن نعد ونجهز الميرون في الأيام الأولى من الصوم الكبير على أن يحضر الزيت المُحَضَّر قداسات الصوم كلها حوالي 50 قداسا من أجل تقديسه قبل أن يوزع على الكنائس والإيبارشيات". وأردف البابا تواضروس:"سوف نقوم بإعداد 620 كيلو من زيت الميرون، و 380 كيلو من زيت الغاليلاون". وقال:"نحاول أن يتم تجهيز الميرون كل ثلاث سنوات بحسب ما يسمح الله لنا ليكون الميرون موجودًا باستمرار في الكنائس". ويشار إلى أنه تم إعداد زيت الميرون في عهد البطريرك ال 117 المتنيح (المتوفي) البابا شنودة 7 مرات جميعها في دير الأنبا بيشوي ماعدا المرة الخامسة خارج مصر في دولة إريتريا وذلك في أعوام 1981 و 1987و1993 و 1995 و 2004 و 2005 و 2008.